ينطلق الباحث نجيب عيسى من دراسة تشكّل نموذج الاقتصاد السياسي في لبنان في مرحلتي ما قبل الحرب الأهلية وما بعد اتفاق الطائف، وصولاً إلى الانهيار، للقول أن الدور الوظيفي للبنان، والذي كان قائماً على لعب دور الوساطة والترانزيت في المنطقة كوسيط لنقل الأفراد والرساميل والبضائع بين المركز الرأسمالي والأطراف، انتهى. الدور الجديد سيتحدّد تبعاً لنتائج الصراع الجاري في المنطقة، وهو صراع سياسي. فلطالما كان لبنان مرتبطاً بالخارج وصراعاته التي تحسم ما يحصل في الداخل. في انتظار ذلك، الوضع الحالي في لبنان يذهب نحو مزيد من الانفجار، في ظل غياب قوّة اجتماعية موحّدة لديها مشروع واضح للإمساك بزمام السلطة. يتطلب الأمر دوراً قوياً وفاعلاً للدولة للنهوض واللجوء إلى خيارات غير صندوق النقد الدولي الذي لا يعارضه أحد بمن فيهم حزب الله. أما السلطة السياسية فهي لم تقم شيئاً في مواجهة الانهيار، بل انخرطت في صراعات في ما بينها على توزيع الخسائر وتحميل المسؤوليات بهدف الحفاظ على رؤوسها، بينما الغرب بقيادة أميركا، ومن خلال المؤسسات التمويلية، يحاول أن يعطي دوراً أكبر في السلطة السياسية للنخب النيوليبرالية، وهذا ما يفسّر الموقف الفرنسي ووجود ما يسمّى نواب التغيير، وما تعبّر عنه السعودية أيضاً
(هيثم الموسوي)


هل هناك تغيير جذري أم ذاهبون نحو شكل جديد من أشكال الطائفية السياسية والاقتصاد الريعي. اليوم نشهد عملية تصحيح عشوائية جداً، ووسط ذلك تنشأ ظاهرة الفرز الطبقي الذي لم نره منذ زمن طويل، ونرى أيضاً اتّساعاً في حدّة التفاوتات الاجتماعية كأن هناك طبقة وسطى اختفت. برأيكم أي تحوّل سينشأ عن ذلك؟
- الفرز الطبقي لطالما كان موجوداً. لكن هذا «الفرز» أو التفاوتات الاجتماعية لم تكن هي الظاهرة الطاغية، بل كان الانقسام العمودي هو السائد منذ الاستقلال حتى بداية الانهيار. كان فرزاً عمودياً بين الطوائف والمناطق وبين الطبقات الاجتماعية، ليس بالمعنى الطبقي الماركسي، إنما في ما يتّصل بفئات الدخل. فلبنان كان بلداً متشظّياً اجتماعياً، وبالتالي لا يمكن الكلام عن طبقات متجانسة وإنما طبقات متزاوجة مع الطائفة والمناطق... لم نكن مجتمعاً رأسمالياً يشبه المجتمعات الرأسمالية الغربية حيث توجد تفاوتات طبقية واضحة وأفقية. بحسب وجهة نظري، تطغى التفاوتات التي يمكن تسميتها انقسامات عمودية، والتطوّر الاجتماعي الاقتصادي لم يُظهر كتلاً متجانسة اجتماعياً (طبقياً)، بل كان هناك انقسامات أو (segmentation).
إذاً، المشكلة تكمن في نموذج الاقتصاد السياسي أو النمط الاقتصادي الذي كان هو المشكلة بتطوّره منذ ما قبل الاستقلال إلى الآن. اليوم نعاني من مرحلة متقدمة من انهيار هذا النموذج الذي كان قائماً على عاملين رئيسين؛ الأول يتعلق بالطائفية السياسية، والثاني يتعلق بالخارج والدور الوظيفي الاقتصادي للبنان. تزاوج العاملين يفسّر تطوّر الاقتصاد الاجتماعي للبناني، مع مراحل تداخلت فيها العوامل الخارجية.

ألسنا الآن ضمن طفرة جديدة من هذا النموذج الذي انكسر، أم ما زلنا في مرحلة الانهيار؟
- يمكن تقسيم تطوّر النموذج إلى مرحلتين؛ مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، ومرحلة ما بعد اتفاق الطائف. والمرحلة الحالية لا يمكن تسميتها مرحلة دائمة. فالنموذج كان قائماً على التدفقات المالية الآتية من الخارج والتي استعملت ووزّعت عبر قنوات الجهاز المصرفي. أسمّي هذا المسار، الانتقال من مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، أي مرحلة الدور الوظيفي للاقتصاد للبناني بين الداخل العربي والخارج الرأسمالي. ففي ذلك الوقت كان لبنان يلعب، اقتصادياً، دور الوسيط في حركة البضائع والرساميل والأفراد لربط الداخل العربي بالخارج الرأسمالي وهي علاقة من نوع التبعية، أي علاقة التبعية للبلاد الرأسمالية مع بلاد يسمّونها متخلّفة. هي، برأيي، علاقة واضحة المعالم بين المركز الرأسمالي والأطراف. بين لبنان والداخل العربي بعد الفورة النفطية، والموقع الاستراتيجي للمنطقة. لبنان لعب دور الوسيط والترانزيت للبضائع والأشخاص والأفراد، وهذه خصوصية للبنان كانت تميّزه عن سائر الاقتصادات.
كان لبنان، بمثابة عاصمة المشرق العربي المستعمَر. فالبلدان المستعمَرة كان فيها مدينة كبرى هي العاصمة، وعموماً هي كانت على الساحل وتتركّز فيها الخدمات، وتقوم على اقتصاد الوساطة مع الخارج. وبمعزل عن الحدود الجغرافية التي أرساها المستعمِر، فإن لبنان لعب هذا الدور وسط المشرق العربي. وهنا كان له دور اجتماعي. فالمدن الكبرى وسط العلاقات بين المستعمَر والمستعمِر، لم تكن قائمة على برجوازيات محلّية بل كانت جماعات كوزموبوليتية (في الإسكندرية كان التجّار لبنانيين ويونانيين ويهود، ولم يكونوا مصريين)، لذا، إن خصوصية لبنان التي اكتسبها من الاستعمار تنطوي على تكوين برجوازية تجارية بغالبيتها مسيحية. والحرب الأهلية لعبت دوراً أساسياً في الانتقال من هذا النموذج نحو الآخر.
بعد الاجتياح الإسرائيلي بدأت تتكون المعالم الرئيسية للنموذج الاقتصادي الذي نعرفه بعد اتفاق الطائف. الحرب قضت على دور الوساطة التي لعبها لبنان. الفورة النفطية في بلدان الخليج في عزّها وصار لدى كل هذه الدول مؤسسات مصرفية وبنية تحتية وتعليمية ومستشفيات... دور لبنان الاقتصادي (الوسيط) تحجّم في الحرب. وسياسياً تكوّنت الميليشيات وقادة الطوائف التي نهبت المال العام. وهذا الأمر استمرّ في مرحلة ما بعد الحرب، وبالتزامن بدأت تظهر معالم النموذج. أيضاً في الحرب تدهور سعر صرف الليرة، ونما تيار الهجرة وبرز التفاوت الكبير في المداخيل نتيجة المضاربات بالليرة... هكذا تكوّن النموذج رغم إرادة الطبقة السياسية ومشروع رفيق الحريري الذي فشل، إذ إنه كان يريد إعادة إنتاج نسخة نموذج ما قبل الحرب القائمة على الفكر الشيحي، واعتبر أن الحرب بمثابة زلزال أو كارثة طبيعية ولم تكن تنطوي على أسباب اجتماعية واقتصادية. بالنسبة إليه كانت المسألة بسيطة تتعلق ببنى تحتية وبإجراءات إعادة البناء والتأهيل، ووقف العجز في الموازنة وتحفيز القطاع الخاص. بالنسبة إليه كانت هذه العوامل الثلاثة كفيلة بحدّ ذاتها للنهوض بالاقتصاد، إنما غاب عن فكره أنه يصعب إعادة لبنان إلى الدور السابق. ففيما بدأ بتحفيز القطاع الخاص وبإعادة التأهيل، اصطدم بعجز الموازنة ولم يتمكن من كبحه. مصدر العجز سمّاه «شراء السلم الأهلي بالدين»، أي التوزيع على أمراء الحرب وزعماء الطوائف الذين كان يرغبون في تثبيت مواقعهم في السلطة السياسية التي تعتمد على مواقعهم في طوائفهم. فاستعملوا المال العام من أجل تثبيت مصالحهم الخاصة.
لم يتمكن الحريري من التغلّب على نظام الطوائف وقادة الميليشيات، بل دعمهم. لذا، في عام 1997، كانت هناك حاجة كبيرة للتمويل، وكان قد رفع أسعار الفائدة بشكل كبير، فعمد إلى تثبيت سعر الصرف وسمح بدولرة الاقتصاد. أي إنه واجه مشكلة العجز باستجلاب الأموال من الخارج التي تدفقت، إنما كانت تنضب أحياناً وهو ما دفعه إلى استجلاب الأموال عن طريق مؤتمرات باريس ضمن برامج ليبرالية في مقابل التزام لبنان بإجراءات لم يطبقها مثل تحجيم القطاع العام ووقف الدعم، والخصخصة وغيرها. في تلك الفترة، كانت المؤسّسات الدولية تغضّ النظر عن إحجام لبنان عن تطبيق هذه الإجراءات، لأسباب سياسية مرتبطة بصراعات محلية متشابكة مع صراعات خارجية انتهت بالقرار 1559 وانفجار ضابط كل هذه الصراعات، أي سوريا. تغذّى العجز على هذه العوامل وغذّى عجزاً إضافياً والمزيد من استجلاب الأموال، إلى أن أتت الثورات العربية وبدأت التدفقات تجفّ وانعكس ذلك عجزاً في ميزان المدفوعات. هنا بدأت أزمة الانهيار، وكل المعالجات التي تلت مثل الهندسات المالية التي زادت المشكلة تعقيداً ووصلنا إلى عام 2019.
بعد الانهيار، أصبحت التدفقات الخارجية التي يستند إليها النموذج الاقتصادي السائد حالياً تتوزّع على ثلاثة أبواب: المساعدات، تحويلات المغتربين، المدخرات في المنازل. أما السلطة السياسية، فقد أصبحت في موقع آخر، إذ إنها لم تقم بأي إجراء للحدّ من مفاعيل الانهيار، بل بالعكس دخلت في صراعات في ما بينها على تحديد المسؤولية أولاً، والحفاظ على رؤوسها ثانياً. هذا جوهر الوضع الحالي. محاولات أطراف السلطة السياسية هي عبارة عن تبادل الاتهامات والمسؤوليات، وتحميل توزيع الخسائر للآخرين. وللآن نعيش هذه الدوامة، وليس هناك محاولة، ولو جديّة، للنهوض من هذه الدوامة. في هذا السياق نرى الخلاف على خطّة التعافي التي أقرّت في حكومة حسان دياب.

إذاً، هل يلفظ النموذج أنفاسه الأخيرة أم أنه قابل للتصحيح وإعادة التأهيل؟
- عندما نقول تصحيح، فهذا يعني أنه مقبل على الاستدامة، لكن هذا الوضع يأخذ لبنان نحو المزيد من الانفجار. تحدثت عن الانقسام العمودي في لبنان باعتباره خاصية لبنانية، أما بالنسبة إلى التدفقات الخارجية المتواصلة لليوم، فالفرق بينها وبين التدفقات في التسعينيات هو في الكم. كان هناك دفق كبير، وأصبح صغيراً جداً.

في ظل هذه التدفقات الأصغر حجماً، كيف تفسّر ما نراه يومياً من زحمة السير على الطرقات وإشغال المطاعم... كيف تفسّر كل هذا الاستهلاك؟
- تفسير ذلك علمياً يتطلب إحصاءات، لكن بالمعاينة، فئات المستهلكين الذين نراهم لا يعبّرون عما يحصل في كل المجتمع، بل يمكن القول إن حجم هذه الفئة زاد، إلا أنه في المقابل زاد حجم الطبقات الفقيرة كثيراً. من يدفع الثمن هي الطبقة الوسطى. صارت نسبة الذين يتقاضون أجورهم بالدولار كبيرة، لكن يأتي ذلك على حساب الطبقة الوسطى. ربما تكون نسبة هؤلاء 20% من المجتمع، وهذه نسبة يمكن أن تراها بأم العين.

برأيك، هل نحن ذاهبون نحو نموذج جديد؟
- لا يمكن لهذا النموذج أن يستمرّ. يجب أن نرى الأمر من منظار سياسي. فهل النموذج السياسي الطائفي والقائم على التوافقات، ما زال قابلاً للحياة؟ في الواقع، يجب أن يكون لدينا نظام سياسي فاعل حتى نكون قادرين على اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا النظام تعطّل وبات مشلولاً. السؤال هو هل يمكن أن يستعيد لبنان دوره السابق؟ هذه مسألة ثانية تتطلب البحث في سيناريوهات عدة. لكن حتى الآن، من سيستلم الحكم هو من سيقرّر. فلنأخذ مثلاً ما يقوله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن علاقات السعودية مع العالم العربي؛ يقول، إنه سيعيد بناء علاقات السعودية مع الدول العربية على أسس جديدة. في لبنان تصبح مسألة إعادة النموذج مرتبطة بحاجاته للتدفقات المالية من الخارج، ومدى اهتمام السعودية في تقديم التمويل نفسه الذي قدمته للبنان في مرحلة ما بعد الطائف؟ برأيي لا، لن تضع السعودية كمية الأموال نفسها. الآن، كل البلدان المانحة الغربية الرأسمالية، والمؤسّسات الدولية للتمويل، والبلدان العربية، غارقة بعجوزات مالية، فضلاً عما يحصل في أفريقيا... برأيي، لم يعد هناك استعداد لتمويل العجز بالطريقة التي كانت عليه في السابق. في السابق كان صندوق النقد الدولي يغضّ الطرف عنهم لأسباب سياسية.

بعد كل هذه الهجرة والإفقار المتعمد شحّت التدفقات لكن لا يزال نحو 10 مليارات دولار تأتي إلى لبنان سنوياً، ولا شيء يمنع إعادة تأهيل النموذج بثوب جديد، بواسطة هذه الكمية من الأموال؟
- يتطلّب هذا الأمر ظروفاً سياسية واقتصادية، وهو يتعلق بالحُكم الذي سيقود هذه المرحلة. هذا من أحد العوامل الرئيسية التي تساعد على تكوين صورة للمستقبل. ما نراه الآن، هو صراع داخل الطبقة السياسية، التي كان همّها نهب المال العام وكان الغرب يتغاضى عنها بمؤسساته التمويلية لأنه كان لديها دور سياسي، ولا سيما بعد الـ1559، وهو دور يتعلق بالحدّ من دور وقوّة حزب الله. إلا أن هذه الطبقة فشلت في ذلك. لذا، إن الغرب يُعيد النظر في استراتيجيته. من هنا نرى تناقض المصالح بين برنامج صندوق النقد، وموقف المصارف الرافض له. وأنا أرى، أن الغرب بقيادة أميركا، ومن خلال المؤسسات التمويلية، ستحاول أن تعطي دوراً أكبر في السلطة السياسية للنخب النيوليبرالية، وقد شهدنا مؤتمرات عديدة تقوم بها مؤسسات التمويل الدولية وسواها في الخارج تدعى إليها النخب اللبنانية، لمناقشة النهوض بالاقتصاد اللبناني من منظور نيوليبرالي، وهذا يفسّر إلى حدّ ما الموقف الفرنسي. هم يشعرون أن الطبقة السياسية التي اعتمدوا عليها غير نافعة، لذا يبحثون عن نخب وشباب في الجمعيات الأهلية لاستبدال الطبقة السياسية بأخرى نيوليبرالية فعلاً لا تشبه الطبقة الحاكمة في لبنان والتي كانت تأخذ ما يناسبها من النيوليبرالية. يتعلق الأمر بصراعات المنطقة.
برأيي، هذا التوجّه يتلاقى مع توجهات السعودية التي تريد صندوق النقد وإصلاحات على طريقة الصندوق. هنا تحديداً المسألة الرئيسية. إذ لا نرى معارضة سياسية جديّة لصندوق النقد خلافاً لبعض المفكرين والباحثين. لكن على الصعيد السياسي، بمن فيهم حزب الله الذي يقول «نناقش». لذا، التوجّه المحتمل على الصعيد الاقتصادي، هو السير بتنفيذ برنامج صندوق النقد. وعلى الصعيد السياسي، هناك رغبة في التطابق بين هذا البرنامج وبين ما تريده أميركا من حزب الله والمتعلق بالخضوع والسكوت عن إسرائيل.
صراعات لبنان منذ القرن التاسع عشر لغاية الآن، تحصل في الخارج. كان لديه دور وظيفي اقتصادي انتهى، لكن أهمية لبنان بالنسبة إلى الغرب يتعلق بإسرائيل وبالنفط أيضاً. لذلك، يصعب تصوّر استمرار النموذج على مستوى منخفض من التدفقات.
يجب أن يكون لدينا نظام سياسي فاعل حتى نكون قادرين على اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا النظام تعطّل وبات مشلولاً


هل سنصبح دولة نيوليبرالية بشكل واضح تقودها طبقة سياسية جديدة؟
- هذه مسألة لم تُحسم بعد بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الصراع القائم. يُقال إن هناك تحوّلات جديدة في المنطقة من أبرزها التراجع الأميركي وهامشاً من الاستقلالية لدى دول المنطقة ودول الجنوب انسجاماً مع بداية تعدد الأقطاب العالمي. الصين ليست بالضرورة ضدّ الليبرالية، ولا روسيا أيضاً، إذ إن الصراع معها ليس أيديولوجياً بل هناك صراع مع أميركا على صعيد المصالح الاقتصادية وضمان هذه المصالح. كيفما تُرجم هذا الصراع في المنطقة، سينعكس على لبنان. حتى النهوض من الأزمة، سيتحدّد على أساس الوضع في المنطقة.

في دراسة لك، تحدثت عن تكوّن لبنان وفق ثلاث مراحل: استعمار، هيمنة، تبعية للخارج. صندوق النقد الدولي يمثّل هذه المراحل كلّها، فهل ترى أن هناك خياراً غير الصندوق؟
- الخيار الآخر على الصعيد الاقتصادي، هو الخيار النقيض للنيوليبرالية. يتطلب الأمر دوراً قويّاً وفاعلاً للدولة، وإنشاء قطاعات اقتصادية تقوم على التكنولوجيا واقتصاد المعرفة وليس فقط على الزراعة والصناعة. دور الدولة، يعني أن يكون لدينا قوّة اجتماعية لديها مشروع قادر على أن تمسك زمام الدولة والسلطة.
الخيارات كثيرة، لكن كل خيار يحتاج إلى قوّة اجتماعية تحمله إلى السلطة.

جربنا خيار تشرين الأول 2019 من خلال قوّة تعدّ، إلى حدّ ما، خارج السلطة التقليدية، وفشلت؟
- تبيّن أن هذه القوّة ضعيفة، وليست قوى متماسكة وليس لديها مشروع. صحيح أن الذين نزلوا في الأيام الأولى، كانوا عبارة عن قوّة كبيرة نسبياً، لكن كل مجموعة كان لديها هدف مختلف عن الأخرى، ولم تكن هناك قيادة ومشروع واستراتيجية موحّدة. وهذا الأمر نراه اليوم في نواب التغيير، بحيث أن معظمهم نيوليبراليين.

صراعات لبنان منذ القرن التاسع عشر لغاية الآن تحصل في الخارج وشكل النموذج يتحدّد بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الصراع القائم


في ظل التشكيلات الطائفية القائمة، والوصاية الدولية بالمعنى السياسي، كيف ستتشكل هذه القوّة الاجتماعية. فقد انتظرنا 30 سنة حتى أتت لحظة تشرين الأول 2019، وليست هناك بوادر على ظهور قوّة جديدة؟
- صعبة. الشيء الحاسم هو الخارج. فلنتذكر أنه ظهرت حركة وطنية في لبنان أيام عبد الناصر، ثم أتى الفلسطينيون... قوى التغيير من يسار وغيرهم، التجؤوا إلى الفلسطينيين.

تعني أن القوّة الخارجية هي التي تحمي القوّة التي يمكن أن تنشأ في الداخل ويكون لديها مشروع قيام الدولة؟
- حتى الآن ليس الأمر متوافراً. قد نرى ذلك إذا تطوّرت العلاقة السعودية - الإيرانية والاتفاق على مشروع على مستوى المنطقة ليكون لها موقع في العالم الغارق في الأزمات السياسية والاقتصادية، وتحمل مشروعاً ينطوي على تكامل اقتصادي ومنطقة اقتصادية كبرى. حتى بالنسبة إلى سوريا والعراق، ليس هناك حلّ خارج التكامل الاقتصادي على صعيد المنطقة، ولا سيما في المرحلة الحالية التي تشهد صعود أقطاب عالميين.

لبنان يبحث عن دور وظيفي جديد للبنان في هذه المنطقة؟
- دورنا القديم انتهى. مشروع جديد في المنطقة يعني حفظ موقع لبنان. يصعب العيش مع التشوّهات الحاصلة لفترة طويلة، وإن كانت الأموال ستواصل التدفق من الخارج بكميات أقل بكثير مما كانت سابقاً.



تعريف
شهادة دكتوراه في العلوم الاقتصادية ودبلوم في علم السكان من جامعة باريس الأولى■ تولّى إدارة معهد العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال ■ عمل بصفة خبير استشاري لدى منظمات دولية عدّة ■ له مؤلفات تتناول قضايا التنمية الاقتصادية في لبنان والبلاد العربية ■ يعمل حالياً على إنجاز كتاب يدرس مراحل تطوّر نموذج الاقتصاد السياسي في لبنان من الاستعمار إلى الهيمنة والتبعية ، والدور الوظيفي ■ من مؤلفاته المنشورة «نموذج التنمية في الخليج والتكامل الاقتصادي العربي»، «النفط والمجال الاقتصادي العربي»، قضايا التشغيل والتنمية البشرية في البلاد العربية»، «الرؤية الاقتصادية والاجتماعية في لبنان».