استمرار رياض سلامة في الحاكميّة ليس فقط دليلاً على رعاية أميركا له (كان سلامة بمثابة الجاسوس الذي يطارد أعداء أميركا وإسرائيل في النظام المصرفي اللبناني والعربي)، ولا على رعاية البطريرك الراعي له (بسبب خدمات ماليّة وطائفيّة). استمرار سلامة في المنصب بعد تسريب تقارير أوروبيّة عن فساده وسرقاته لا يؤشّر إلا إلى صوابيّة شعار «كلهم يعني كلهم». الكل يغطّي عليه. ليس هناك من مطالبة جديّة من أي طرف بإقصائه ومحاكمته. الكل يحميه لأنّ لديه ما يفضح الفاسدين. والأطراف تخشى من فضخ فسادها أو فساد حلفائها. لقد بات أكيداً أنّ سلامة حوّل مئات الملايين من أموال الشعب اللبناني إلى الخارج لاقتناء عقارات في أغلى مدن العالم. قوى الأمن في لبنان تعتقل سارق الخُضر وليس هناك من يجرؤ على اعتقال الرجل (للأمانة، القاضي علي إبراهيم صاحب الهمّة والنشاط، لا يزال مشغولاً بملاحقة أمينة صندوق بلديّة حمّانا لأنّه رأى أنّ مصدر الفساد اللبناني يكمن في دفاتر حسابات البلدية). ليس من حزب يجاهر بصورة مستمرّة في المطالبة بعزل سلامة وتقديمه للمحاكمة. لا. الثنائي الشيعي (غير الكوميدي) قرّر في تشكيل الوزارة الحالية تسليم رياض سلامة وزارة المالية، وعندها يحلو الهتاف: «شيعة. شيعة». الثنائي نظّم تظاهرة الطيّونة ضد القاضي بيطار (يدين جعجع للثنائي على تقدّمه الأكيد في الانتخابات) ولا يخطط لهتاف ضد سلامة. سيقول أحدهم إنّ النائب فلان قال ذات مرّة في يوم صحو إنّه لا يؤيّد رياض سلامة. هذا هزل، طبعاً. رياض سلامة نقطة تقاطع لفساد النظام اللبناني، والذي وضعه في المنصب ليس إلا مهندس الفساد اللبناني الحديث الذي قاد إلى الانهيار الفظيع. وهذا المهندس بمثابة قدّيس وشهيد، عند الفريقيْن وعند «ثوار» لبنان (كيف سيتصرّف ثوار لبنان إزاء الخلاف السعودي الإماراتي؟) رياض سلامة محط إجماع: من «المنظومة» إلى «التغييريّين» و«الثوّار» إلى الإعلام التقليدي (الثوري) برمّته. من غير المُرجّح أن تسمح أميركا لحكومات أوروبا في المضي بعيداً في مقاضاة سلامة. سلامة لا يزال يتصرّف بثقة وزهو. أميركا (والله؟) معه.