على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

يموتُ الطفل في غزة قبل أن يولد. يعلم والداه أنّ حبّهما وعنايتهما به لا يكفيان. يعلّمانه مبكراً أنّ العالم العربي كلّه سيحبّه ويُغدق عليه الحنان والحب من بُعد. الكلّ في غزة رهائن، منذ عام 1948. تحتجزهم إسرائيل وتُمعن في قتلهم متى تشاء. إسرائيل تقتل لأكثر من سبب: هي تقتل كي تتخلّص من أعداد الفلسطينيّين، ولأنّها تستطيع أن تقتل، لأنّ قتلها مُرحّب به في الغرب. إسرائيل تقتل، لأنّ قتلها مقدّس في الغرب، ومحاط بهالات من التبجيل، ساعة باسم محاربة الإرهاب، وساعة باسم الانتقام التوراتي، وساعة أخرى باسم تعليم الوحش دروساً يحتاجها في مسيرة الترقّي الحضاري التي تعصى على العرب. الطفل في غزة لا يرد في أرقام الأمم المتحدة أو الـ «أونروا». هو أو هي يعانيان من حياة مؤقّتة في كلّ حياتهما، ولو صدف أن عمَّرَا. يتمتّع الطفل في غزة بالبحر أكثر منا، ويتنشّق الهواء أكثر منا، ويراقب شروق الشمس وغروبها باهتمام لا نلحظه نحن. الطفل في غزة محروم من الاسترخاء في الحياة. عليه أن يكون دوماً متأهباً للموت. في سنوات عمري لا تمرّ أشهر إلا وأسمع فيها عن موت أطفال في غزة. والموت بسبب إسرائيل، ولو كان الفقر ونقص المناعة هما السببان المباشران أحياناً (لا يعلم كثير من العرب أنّ إسرائيل تُحصي أنفاس أهل غزة وتُحصي لهم وحداتهم الحراريّة). الطفل في غزّة هدف لأنّه ينغّص على العدوّ هناء احتلاله وعدوانه. يولدُ غاضباً ويعيش غاضباً. والغضب متناقض مع الاستكانة التي يزرعها الاستعمار فينا (وتزرع هذه الاستكانة أيضاً المنظمات الدولية المعادية والجمعيّات التي تموّلها دول الناتو في ربوعنا). الطفل في غزة هو رمز لاستمرار القضيّة الفلسطينيّة، لكن كيف يمكن ترجمة حبنا للطفل في غزة إذا استشهدنا بـ«المشروع العربي للسلام» الذي ليس إلا «ورقة نعوة» لكلّ أطفال غزة؟ هل أحصيتم كم استُشهد منهم منذ المشروع المشؤوم؟ يكبر أطفال غزة بسرعة لأنّ الحياة تستعجلهم دوماً. لا تمهلهم كثيراً. دفاترهم المدرسيّة كما الوصية. نعرف مضمونها سلفاً.

0 تعليق

التعليقات