رغم كلّ الانتقادات التي واجهت «هيئة الإذاعة البريطانية» (BBC) بسبب تغطيتها المتأسرِلة للعدوان على غزّة، تواصل الشبكة المملوكة للحكومة البريطانية المجاهرة بانحيازها للسردية الصهيونية، بل تتفوّق على نفسها في الصفاقة. لعلّ العدوان على غزة كان المحطة الأبرز في كشف زيف الإعلام الغربي برمّته وBBC ليست سوى مثال واضح. الشبكة التي ترفع شعار المهنية والموضوعية، طردت موظفين يعملون لديها بسبب تأييدهم لفلسطين، فيما استقال آخرون على خلفية سياسة المؤسّسة التي نشرت، خلال العدوان، تقريراً يزعم أنّ «حماس» تبني أنفاقاً تحت المستشفيات والمدارس، ممهدةً بالتالي لمجزرة «مستشفى المعمداني». ولم تتوان المحطة عن وصف المتظاهرين المناصرين لفلسطين في لندن بأنّهم «موالون لحماس»، فضلاً عن دخول مراسلتها لوسي ويليامسون مع قوات الاحتلال إلى داخل مجمّع «الشفاء» الطبّي. رغم كل هذا السقوط الأخلاقي والمهني، ها هي BBC تخرج بآخر «بدعها» التي طالت التزوير في الترجمة! هكذا، نشرت المحطة يوم الجمعة الماضي مقابلة مع الأسيرة المحرّرة سارة عبد الله قبل إطلاق الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيّين المحرَّرين. لكن يبدو أنّ القناة لم تتمكّن من «العضّ على الجرح» بشكل كامل، فأبت إلّا أن تذكّر بصهيونيتها، عبر التغيير في الترجمة التي تظهر على الشاشة وتحريفها بما يخدم سرديّتها الصهيونية. تحدّثت عبد الله عن إذلال الاحتلال للأسيرات وتركهنّ في البرد بلا كهرباء أو تدفئة ورشّهن برذاذ حارق. ورغم أنّ الأسيرة المحرَّرة لم تذكر «حماس» ولو مرّة، إلّا أنّ إحدى الجمل في ترجمة BBC كانت كما يأتي: «لم يهتمّ بنا أحد، وحدها «حماس» اهتمّت لحالنا وشعرت بمعاناتنا». الجملة السابقة كانت الأكثر نفوراً، لكنّها لم تكن كلّ ما حوّرته BBC، فنشر ناشطون جداول يفنّدون فيها كلّ جملة قيلت مقابل ترجمتها الصحيحة التي قام بها فريق مختصّ يعمل على التدقيق في الترجمة الإعلامية حول العالم، إلى جانب ترجمة BBC المحرّفة، التي حاولت أيضاً تبرئة الاحتلال باستخدام صفة الغائب (كما درجت العادة) رغم ذكر الأسيرة عبدالله للاحتلال بالاسم.بكلّ بساطة، حوّرت BBC كلاماً أمام مشاهديها، متناسيةً أنّ الأمر بات يختلف عمّا كان قبل عشرين عاماً عندما كانت أكاذيبها عن العراق جارية على قدم وساق، وأنّنا بتنا في العصر الرقمي بحيث تُفضح هذه الأكاذيب بسرعة الضوء. نشْر القناة للمقابلة على صفحاتها الافتراضية عرّضها لهجوم كبير على منصّات التواصل الاجتماعي، ما أجبرها على حذفها وإيراد ملاحظة على موقعها تشير فيها إلى «خطأ في عملية المونتاج والتحرير»، وهو ما لم يقنع أحداً، إذ كيف لخطأ من هذا النوع أن يحدث لولا التعمّد؟
على ضفّة أخرى، نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية تقريراً تنتقد فيه تغطية الإعلام العربي لعمليّة «طوفان الأقصى». اللافت كان ذكر الصحيفة أنّ الاستثناء الوحيد كان قناة «العربية» السعودية، ذاكرةً بالاسم الصحافية رشا نبيا «التي نظرت إلى القضيّة من المنظور الإسرائيلي». أمّا صحيفة «بيلد» الألمانية، فكانت تثبت مجدّداً أنّ الإعلام الألماني أكثر صهيونيةً حتّى من الإعلام العبري نفسه، فوصفت الأطفال بين الأسرى المحرَّرين بأنّهم «إرهابيّون»، ونشرت ذلك على صفحاتها الافتراضية!