الوثيقة السياسيّة التي أصدرها المكتب الإعلامي لحركة «حماس» بعنوان «هذه روايتُنا، لماذا طوفان الأقصى؟» دليل على نضوج واختمار في الفكر والممارسة. الشيء الأوّل الذي يلفتُ القارئ أنّ الحركة (مثل الحزب) تأثّرت بالفكر العالم ثالثي المناهض للاحتلال والاستعمار وخفّضت من منسوب الخطاب الديني الخالص في التوجّه إلى العالم. كما أنّها (خلافاً للماضي) اهتمّت بتوضيح حقائق ودحض أباطيل العدوّ. وحسناً فعلت في وضع «البركان» في سياق التحرّر الفلسطيني منذ بلفور. وقدّمت الوثيقة أرقاماً دقيقة عن نسب تملّك الأرض ونسب اليهود بين السكّان. وأوضحت الحركة أنّ القطاع عانى من خمس حروب مدمِّرة وكانت إسرائيل «هي البادئة فيها». ويذكر أنّ العدوّ ردّ على الاحتجاج السلمي من ضمن «مسيرات العودة» بالنار وقتل 360 فلسطينياً وجرح أكثر من 19 ألفاً. ويذكرُ أنّ إسرائيل قتلت 11,299 فلسطينيّاً بين عامي 2000 و2023 (قبل 7 أكتوبر). كما أنّ الوثيقة استشهدت بمنظمات حقوق إنسان غربيّة (مع أنّها معادية لنا). وذكرت أنّ الغرب يتعامل مع إسرائيل على أنها دولة فوق القانون وفوق المساءلة. والقسم الأوّل ينجح في تلخيص معاناة الشعب الفلسطيني كسياقٍ وُلدت فيه عمليّة «طوفان الأقصى». ووصفت العمليّة بـ «الضروريّة» وأنّها «استجابة طبيعيّة لما يُحاك» من مخططات إسرائيلية. وتتحدّث الوثيقة بالتحديد عن أنّ العمليّة استهدفت حصراً «المواقع العسكريّة الإسرائيليّة» وأنّ الهدف كان أسر الجنود لإطلاق سراح الآلاف من الشعب الفلسطيني من ضمن صفقة تبادل. وتذكّر الوثيقة بأخلاقيّات الحركة في «تجنّب استهداف المدنيّين» من ضمن التزام ديني وأخلاقي، وأنّ قتل المدنيّين هو عمل «غير مقصود» من قبلها. لكن الوثيقة تعترف بحدوث «بعض الخلل أثناء تنفيذ العمليّة» بسبب «بعض الفوضى» حول السياج. ومُلفت أنّ الوثيقة تستشهد بموقف «موندوفيس» الأميركي الصديق (وهو موقع مناصِر لشعب فلسطين) وبصحف إسرائيليّة، وتدعو إلى إجراء تحقيق «في كل الجرائم التي اقتُرفت في فلسطين المحتلّة». وفي توضيح فكرها، توضِّح الحركة أنّ صراعها هو مع المشروع الصهيوني وليس «صراعات ضد اليهود بسبب ديانتهم، وهي لا تخوض صراعاً ضد اليهود لكونهم يهوداً». صحف الغرب ستتجاهل.