بعد ليلتين في «العزل»، عادت زهراء إلى المنزل، غير أن وضعها بقي غير مستقر، ما استدعى نقلها إلى أحد المستشفيات القريبة، مصحوبة بفحوص الدم. لكن، ذلك لم يشفع لها، إذ كان جواب أحد العاملين في طوارئ المستشفى أنهم لا يستقبلون «متخلفين عقليين»، ناصحاً عائلتها بأخذها «إلى مركز متخصّص بحالتها». بقي الجواب نفسه حتى بعد إخباره بأنها تعاني نقصاً في الدم. ساعة من الجدل انتهت باتصال مع «فوق». لكن، ثمة مشكلة ــــ وهي شائعة في كل المستشفيات ــــ أن لا «أماكن شاغرة»، فجرى تحويل المريضة إلى مستشفى آخر، بتوصية من «المدير هنا».
في الأيام الثلاثة التي قضتها الشابة في المستشفى، تم التعامل معها كوحش
إلى حكاية أخرى در، ففي المستشفى الآخر، لم تنفع التوصية. الجواب هو نفسه: «ما بنستقبل هيك حالات، القانون بيمنعنا نستقبل هيدي الحالات، خدوها على مراكز متخصصة». بعد أخذ ورد، أدخلت زهراء ــــ بعد اتصال «توصية» آخر ــــ بشرط «بقاء شخص معها بشكلٍ دائم». لم توضع زهراء في طبقة عادية، فقد فرزت لها غرفة في طبقة الأمراض السرطانية وكُبّلت يداها إلى السرير «خوفاً من أن تسحب المصل من يدها».
خلال الأيام الثلاثة التي قضتها الشابة في المستشفى، بقي التعامل معها كأنها وحش. كان يُعطى الدواء لشقيقتها كي تعطيها إياه، ولا يأتي أحد للاطمئنان عنها إلا بعد عشرات «الأجراس». وعند حاجتها إلى الاستحمام، كان يطلب من شقيقتها القيام بذلك. أما البؤس الأكبر، فهي تلك الأسئلة التي كانت تضطر شقيقتها إلى الإجابة عنها «قولك بتنتحر؟ معقول تعملنا شي إذا قربنا؟».
زهراء ليست وحشاً. هي مريضة يحقّ لها الدخول في أي وقت إلى المستشفى «ومن واجب المستشفى، أي مستشفى استقبالها، كونها تعاني عارضاً صحياً لا علاقة له بحالتها المزمنة، وكون لا وجود لمستشفيات متخصصة لعلاج أمراض ذوي الاحتياجات الخاصة»، بحسب مصادر وزارة الصحة العامة.
البؤس هنا لا يتعلّق فقط بما يعانيه ذوو الاحتياجات الخاصة، وإنما بجهل العاملين في القطاع الصحي وتعاطيهم اللامسؤول مع حالات كهذه. المشكلة في النظام الصحي ككل. في قانون ذوي الاحتياجات الخاصة 220/2000 العالق منذ 18 عاماً في الأدراج (الذي لم تصدر مراسيمه التطبيقية). في بطاقة «المعوّق» الصادرة عن الهيئة الوطنية لشؤون المعوّقين في وزارة الشؤون الاجتماعية التي اقتصرت استفادة زهراء منها على «الحفاضات» ودواء قد يأتي إلى مركز الكرنتينا وقد لا يأتي. المشكلة في الدولة العاطلة وجشع المستشفيات التي ترهن المريض بـ 500 ألف ليرة لبنانية أو باتصال من «فوق».