حتى يوم أمس، لم يتسلم المجلس الدستوري أي طعن من المرشحين الخاسرين الانتخابات ممن يملكون «شكوكاً مشروعة» في النتائج. الأوان لم يفت، إذ إن مهلة تقديم الطعون مفتوحة لمهلة شهر بعد صدور النتائج الرسميّة، أي حتى 17 حزيران الجاري.النائب السابق فيصل كرامي أبرز من يملكون «أدلّة ماديّة» يمكن الرهان عليها جدياً لإعادة عملية الاقتراع أو إبطال نيابة أحد الفائزين (الأرجح رامي فنج)، بسبب فروق ضئيلة في الأرقام يمكن أن تقلب النتيجة لمصلحته وتتراوح بين 37 و49 صوتاً.
يتكئ «الأفندي» إلى وجود 6880 ورقة ملغاة بعضها لا يستدعي الإلغاء، إضافة إلى أخطاء كاحتساب حصوله على 3 أصوات في أحد الأقلام فيما الصحيح هو 30، وإلغاء أصوات في بعض مراكز الاقتراع في الاغتراب كما حصل في ألمانيا حيث يملك في أحد الأقلام أكثر من 20 صوتاً مؤكّداً لمناصريه لم يُعثر على أثر لها في هذا القلم.
«الحسبة» النهائية لكل هذه الأخطاء تؤكد عدم احتساب بين 400 و500 صوت لكرامي، وهو رقم أكثر من كافٍ لتقديم الطعن والفوز به. مع ذلك، «لست متحمساً لذلك»، على ما يقول لـ«الأخبار»، مؤكداً ثقته «الكاملة بالمجلس الدستوري الذي لا يتأثر رئيسه أو أعضاؤه بالضغوط السياسيّة»، لكن «إعادة فوزي مرتبطة بالسياسة تماماً كما هي خسارتي المقعد». وما يزيد هواجسه هو الهجوم عليه بشراسة والتحريض ضده قبل الانتخابات وبعدها، إضافة إلى «تبلّغنا بفوزنا قبل أن يعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق ديفيد شينكر أنني خسرت. كنت أخوض الانتخابات في الحدادين وأبي سمراء وباب الرمل... لكن تم تصويري أنني أواجه أميركا».
يشدّد كرامي على أن «الحديث عن أن طرابلس غيّرت وجهتها السياسية غير صحيح. أنا خسرت بفارق 0.004 بحسب القانون النسبي ونالت لائحتنا نفس عدد الأصوات تقريباً مع اللائحة الأُخرى. كما أن النائبين طه ناجي وجهاد الصمد هما من خطّنا السياسي»، مضيفاً: «لم نقل يوماً أننا نمثّل كل طرابلس ولكن على الطرف الآخر أن لا يقول ذلك أيضاً».
عدم تقديم الطعن ليس محسوماً تماماً بالنسبة لكرامي الذي تقوم ماكينته الانتخابية بجردة متأنية لعملية الفرز، وينكبّ فريقه القانوني على قراءة مفصلة للنتائج. وهي قراءة مرتبطة أيضاً بأخطاء ماكينته الانتخابية. إذ خاض الانتخابات بماكينة بدائية، «فعلياً هي ماكينة رشيد كرامي التي وقفت في وجه ماكينات تملك المال والإعلام»، ناهيك عن تعرّضه لـ«عملية غدر» من الداخل، إذ يتردد أن المسؤول التقني للماكينة باع الداتا كاملة للخصوم.
إعلان الخبير الانتخابي كمال فغالي عن عدم نشر وزارة الداخلية والبلديات لنتائج 66 قلماً في دائرة بيروت الثانية إضافة إلى أخطاء في احتساب النتائج في أقلام أخرى، فتح شهيّة لائحة النائب فؤاد مخزومي على التدقيق في الأرقام بنيّة تقديم طعن. نتائج الـ66 قلماً وصلت إلى فغالي أول من أمس، لكنه لم ينته من التدقيق فيها بعد، إلا أنّ ماكينة مخزومي تشك بأن نتائج الـ66 قلماً التي أُخفيت على مدى 7 أيّام قد جرى التلاعب بها، خصوصاً أن فوز فيصل الصايغ «كانت له رمزيّته السياسية مما يعني تدخلاً سياسياً في الأمر».
كرامي: قرار فوزي بالانتخابات سياسي تماماً كخسارتي

لا تملك الماكينة الدليل وإنّما مجرّد شك يخفّف من حماسة مخزومي في تقديم الطعن، يُضاف إليها أنّ المتابعين داخل الماكينة لم يتمكّنوا بعد من إيجاد أكثر من 160 صوتاً غير محتسبة لصالح اللائحة، فيما المطلوب هو 300 صوت بغية إبطال نيابة فيصل الصايغ لصالح المرشحة زينة منذر أو إعادة الانتخابات على المقعد الدرزي في بيروت الثانية.
هذا أيضاً ما يقوله رئيس لائحة «بيروت تواجه» خالد قباني لـ»الأخبار»، مشيراً إلى أنّ اللائحة تدرس خيار تقديم الطعن ومدى جديّته، بالإضافة إلى مدى صحة التقارير الصادرة والتي تتحدث عن تلاعب في النتائج.
إذاً، لا مؤشر يوحي بأن طعناً سيُقدّم إلى المجلس الدستوري خلال الـ10 أيام المقبلة، ولو أن كثيرين يدرسون الأرقام ويؤكّدون نيّتهم ذلك. وباستثناء كرامي ومخزومي والمرشح جاد غصن، لا أحد من المرشحين الآخرين يملك مستندات وأرقاماً فعليّة تخوّله المضي قدماً نحو الطعن.



كيف يُبطل «الدستوري» النيابة؟
من أصل أكثر من 60 طعناً تم تقديمها إلى المجلس الدستوري على مدى 28 عاماً أي بعد إنشاء المجلس في تموز 1994، لم تُبطل إلا نيابة 5 نواب، هم:
• النائب عن المقعد الماروني في قضاء البقاع الغربي راشيا في انتخابات 1996 روبير غانم، بعد تقديم الطعن من قبل هنري شديد الذي عاد وفاز إثر إعادة عملية الانتخاب.
• النائب عن المقعد الماروني في جبيل في انتخابات 1996 إميل نوفل بعد أن تقدّم الوزير السابق ناظم الخوري بطعنٍ إلى المجلس الدستوري الذي قرّر إعادة عملية الانتخاب ليعود نوفل ويفوز من جديد.
• النائب عن المقعد الماروني في عكار فوزي حبيش في انتخابات 1996 بعد طعن مقدّم من مخايل الضاهر. وقرّر المجلس الدستوري آنذاك إعادة عملية الانتخاب التي فاز بها حبيش.
• إبطال نيابة غبريال المر الذي فاز في الانتخابات الفرعية في دائرة جبل لبنان الثانية (المتن) في العام 2002 والتي أجريت لانتخاب نائب عن المقعد الأرثوذكسي بعد وفاة النائب ألبير مخيبر. وبعد أن تقدّمت المرشحة ميرنا المر بالطعن تمّ إبطال نيابة غبريال المر وإعلان فوز المرشح غسان مخيبر.
• إبطال نيابة المرشّحة عن المقعد السني ديما جمالي في انتخابات العام 2018 بعد طعنٍ تقدّم به المرشح الخاسر طه ناجي. وقرّر المجلس الدستوري إعادة الانتخابات التي فازت بها جمالي.
ويشرح رئيس المجلس الدستوري السابق القاضي عصام سليمان أن إبطال نيابة المطعون بهم لا ترتّب أية مفاعيل رجعية إن كان من خلال التصويت داخل مجلس النواب (كانتخاب رئيسٍ للمجلس ونائبه) أو حتى بالنسبة للمخصصات التي قبضها والتي لا تُرد.
وعن السبب في قرار المجلس بإعادة الانتخاب أو إعلان فوز مرشح آخر، يقول سليمان لـ»الأخبار» إن الأمر متوقّف على حجم المخالفات، «فإذا كانت هذه المخالفات قد أدت إلى فوز المطعون بنيابته وخسارة الطاعن فإن القرار يكون بإعادة عملية الانتخابات، وأمّا إذا كانت هذه المخالفات قد سببت فوز المطعون بنيابته ولكنها لا تؤدي إلى فوز الطاعن فحينها تبطل نيابة المطعون بنيابته وتدعو وزارة الداخلية والبلديات إلى انتخابات في مهلة أقصاها شهرين بعد قرار المجلس».
ويشير سليمان إلى أنّه بعد ورود الطعن، يقوم رئيس المجلس بتعيين مقرّر أو أكثر من أعضاء المجلس (التجارب الأخيرة قضت بتعيين مقررين اثنين) وعادةً ما يكون المقررون من دائرة وطائفة مختلفة عن تلك التي يُطعن فيها. ويجري المقرر التدقيقات والتحقيقات خلال مهلة 3 أشهر لتقديم تقريره النهائي. علماً أن هذه المهلة هي مهلة حث وليست مهلة إسقاط ما يعني تمديدها في حال استلزم الأمر.
ويضيف: «كما الحال في تقرير المقررين، فإنّ مهلة الشهرين المُعطاة للمجلس لإصدار قراره بعد الاطلاع على تقرير المقررين هي أيضاً مهلة حث، ويمكن لأعضاء المجلس الدستوري أن يتعدّوها كما حصل في العام 1996 حينما استغرقوا 9 أشهر لإصدار قرارهم في إبطال نيابات بعض النواب».