مفاوضات عسيرة وتوجّس
الوصول إلى هذا الاتفاق الأولي لم يكن يسيراً بحسب المصادر، ويبقى في خانة الوعود، «إذ تطلّب نقاشاً لأكثر من 3 ساعات، ولم يحدّد الوزير موعداً لدفع الأموال المستحقة للأساتذة عن الفصل الأول، ولا تاريخاً لإقرار بدل النقل الجديد أيضاً، وهناك تحجّج دائم بضرورة إعادة جمع المعلومات الشخصية الخاصة بالمعلّمين». وترى المصادر في التفاوض أنّه «مع اليونيسف والجهات المانحة من خلفها، لا مع وزارة التربية في لبنان، إذ تتريّث الأخيرة في الردّ على العديد من مطالب الروابط بحجة مراجعة المنظمات الدولية!».
أمّا فتح موضوع العودة الفعلية إلى التعليم مع الأساتذة فـ«ينتظر توقيع اللجنة الوزارية المنبثقة عن الجلسة التربوية لمجلس الوزراء إعطاء بدل النقل على أساس 5 ليترات يومياً، والتحرّك الجدّي لدفع مستحقات الفصل الأول» بحسب حيدر إسماعيل نائب رئيس رابطة التعليم الثانوي، الذي يؤكّد «عدم قول نعم قبل إنجاز التواقيع اللازمة»، مشيراً إلى «عدم شمول الـ300 دولار أساتذة التعليم المهني حتى اللحظة، وهو ما ترى فيه الروابط تقسيماً مرفوضاً».
الأساتذة متوجّسون دائماً من تحرّكات الروابط، حتى لو كان سقف مطالبها عالياً، فهم يخافون هبوطه على رؤوسهم كما جرى بعد كلّ إضراب خلال السّنوات الثلاث الماضية، ويرون في الاتفاق المسرّب بين الروابط والوزارة «ترقيعاً، وكأنّ الراتب لإيصالك إلى المدرسة فقط، من دون أن يلبي أيّاً من حاجات المعيشة الكريمة»، مطالبين بـ«إيجاد حلّ حقيقي ودائم يعيدهم إلى التعليم ويوقف الإضرابات بشكل نهائي»، ويرفضون «تصديق الوعود»، مشيرين إلى أنّ «العام الدراسي بدأ على أساسها، وتبيّن لاحقاً الكذب».
الاعتصام اعتصامان
وهذا ما جعل من اعتصام الأساتذة أمس، على جري العادة، اعتصامين. فعلى إثر دعوة روابط التعليم لتظاهرةٍ مشتركةٍ للمعلّمين، وتلامذة المدارس الرّسمية وأهاليهم أمام وزارة التربية، دعا «الأساتذة المنتفضون» إلى تحرّك قبل موعد اعتصام الروابط بساعة، وبعد الكلمة التي أكدوا فيها على «رفض العودة قبل دولرة الراتب بشكل كامل، وإعادة النظر في تقديمات تعاونية الموظفين وبدلات النقل المجحفة»، حاول عدد منهم الدخول إلى مبنى الوزارة لـ«مقابلة وزير التربية»، فوقع إشكال مع أفراد قوى الأمن الموجودين في المكان، وأُقفلت البوابات الحديدية أمام الأساتذة الذين احتُجز بعض منهم داخل مبنى الوزارة لبعض الوقت. وبعد انسحاب الجزء الأول من المعتصمين، انطلق اعتصام الرّوابط بمشاركة عدد من التلامذة وأهاليهم.
ترهيب للمديرين
إلا أنّ كلّ هذه التحرّكات لم تمنع الوزير من تحدّي الأساتذة، والعمل على طيّ ملف الإضراب وكأنّه لم يكن، مهما كلّفه الأمر من تصريحات إعلامية تفخّم من إنجازات الحكومة، سيّما تعديل بدل النقل وجعله 200 ألف ليرة يومياً. ولخدمة الهدف، يصدر الحلبي تعليماته إلى مديري الدوائر في الوزارة للعمل على فتح المدارس بالقوة، وتُترجم هذه الاستعدادات بضغط دوائر وزارة التربية منذ مطلع الأسبوع الجاري على مديري المدارس والثانويات الرّسمية بغية فتحها بالقوة والترهيب، على إثر سقوط سلاح الترغيب والإحراج أمام الرأي العام والأهالي.
التدريس سيصبح خمسة أيام أسبوعياً بدل أربعة للتعويض عن فترة الإضراب
وقد بدأ كلّ من مدير التعليم الثانوي خالد الفايد، ومدير التعليم الأساسي هادي زلزلي، أول من أمس بدعوة مديري المدارس والثانويات والمهنيات إلى اجتماعات عبر تطبيق زووم، تم خلالها استعادة «الإنجازات التي استطاعت الوزارة انتزاعها من مجلس الوزراء»، بحسب أحد المشاركين في الاجتماعات، الذي يذكر تحميل الفايد لهم «مسؤولية إقفال بعض المدارس الرّسمية العام المقبل نظراً إلى تدني عدد التلامذة المسجلين فيها، وبالتالي دمج بعض الثانويات والمدارس وتحوّلهم من مديرين إلى أساتذة ونظار». ولكن لم تؤتِ هذه الاجتماعات أكلها، فـ«المديرون لم يقبلوا بالتعليمات، مؤكّدين أنّهم أساتذة أولاً، وحالهم من حال زملائهم، وفي حال عدم الحصول على شيء، فلا يمكن فرض العودة أبداً». وتذكر إحدى المديرات في الشمال لـ«الأخبار» عدم وقوف تهديد الأساتذة عند هذا الحدّ، إذ يراسلهم دارسو المناطق اليوم لمعرفة من «التزم بقرار الوزير وبدأ بالتدريس»، مع الإشارة إلى وجود مدارس رسمية في القرى لم تُقفل خلال الإضراب، وتعلّم بشكل عادي لأنّها مدعومة من البلديات، ما يعتبره البعض «ثغرة نقابية كبيرة».