يلتزم حزب الله الصمت حيال المستجدات الطارئة على علاقته بالتيار الوطني الحر، ومحاولات تأويل ما إذا كان اصطفاف رئيس التيار جبران باسيل خلف المرشح جهاد أزعور، إلى جانب القوات والكتائب والتقدمي الاشتراكي و«التغييريين»، تكتيكاً انتخابياً أو تحولاً استراتيجياً يطال الخيارات المتعلقة بالمشروع السياسي المستقبلي للتيار.في العادة، يعود صمت الحزب، الى الحدث نفسه، سواء كان بسيطاً لا يستدعي التعليق، أو «خطيراً» يستلزم التصرف معه بهدوء، إنْ على مستوى الأطر الداخلية للحزب، أو في ما يتعلق بالجمهور والبيئة. غير أن الحزب يُفرج، بشكل تدريجي، عن مواقفه الدالّة على جدّية معركته خلف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بوصفه «خياراً مهماً يستطيع أن يقدّم نموذجاً وفائدة في هذا الجو الصعب»، على ما صرّح أمس نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، مشيراً إلى أن رفض البعض خيار فرنجية سببه أن الأخير «لا يدخل بالدم في داخل البلد، ولا يعمل وفق التعليمات الأميركية، ولا يبيع دماء الشهداء، ولا يطعن المقاومة في ظهرها». من هذه الزاوية، يرى الشيخ قاسم أن هذا البعض أعلن أنه يريد مرشح مواجهة.
هذا يعني أن حزب الله يضع مسألة الرئاسة والصراع عليها في إطار «صراع المشاريع» القائم في المنطقة منذ مدة طويلة، ورغم جو المصالحات الإيجابي الذي شهدته أخيراً، وخصوصاً ما يتعلق منه بالتقارب السوري - السعودي والإيراني - السعودي، تبقى المحاولات الأميركية الحثيثة للمشاغبة على هذا الجو قائمة وتتزايد، من صنعاء إلى بيروت، مروراً بدمشق.
عبّرت جلسات ونقاشات طويلة على مدى الأيام القليلة الماضية، عن كثير ممّا يدور في الغرف المغلقة حيال الموقف من التطورات المرتبطة الاستحقاق الرئاسي وما رافقه من تداعيات سلبية على خط حارة حريك - ميرنا الشالوحي.
ولترتيب المشهد، ينظر الفريق الداعم لفرنجية إلى أزعور باعتباره عنواناً جديداً لمشروع مواجهة مع المقاومة. ورغم فشل التجارب السابقة، ثمّة مَن أدمن الخطأ في الحسابات ويكرّر العودة إلى المشروع نفسه مجدداً. وهؤلاء ليسوا أطرافاً محلية فقط، بل إقليمية ودولية أيضاً. لذلك يتصرّف هذا الفريق على أن الاصطفاف الواسع خلف أزعور ليس من باب أنه مرشح رئاسي في وجه فرنجية بوصفه مرشحاً مقابِلاً، بل بوصفه مشروعاً يستهدف محاصرة المقاومة وعزلها طائفياً وسياسياً، وصولاً إلى انتهاز لحظة الانقضاض عليها. لذلك، يعود هؤلاء الى الخلف قليلاً، ليشيروا الى أن أزعور نفسه كان أحد الموقّعين على القرار الشهير لحكومة السنيورة في 5 أيار الخاص باستهداف سلاح الإشارة التابع للمقاومة، والذي تقول إسرائيل إنه كان أحد أهم أسباب قدرة حزب الله على التحكّم والسيطرة، ما مكّنه من إحباط محاولات إسرائيلية متعددة لاستهدافه.
بهذا الاعتبار اليوم، ينظر الى ترشيح أزعور، على أنه جزء من مشروع ضمن الاصطفاف السياسي الذي يستهدف المقاومة وجمهورها الذي يتجاوز نصف اللبنانيين. بينما لا يرى الفريق نفسه أن فرنجية يشكّل تهديداً وجودياً أو زعاماتياً أو حزبياً لأحد. فالقوى السياسية المارونية تُدرك أن رئاسته لا تشكّل خطراً على استقطاب قاعدتها الشعبية وحضورها السياسي، وهو الذي سامح قتَلة أهله، وهي صفة عزّزت من موقعه لدى من يدعم وصوله الى الرئاسة، لجهة أنه يشكّل ضمانة وجودية لطائفة وقسم من اللبنانيين، ولا يشكل تهديداً لطائفة وقسم آخر منهم.
وتزداد الريبة لدى داعمي فرنجية من سلوك وليد جنبلاط، الذي كان يناور ويحاول الابتعاد عن المشهد ليترك المجال أمام ابنه تيمور، قبل أن يعود ليقود الحملة التي انتهت بترشيح أزعور، ما فاجأ الرئيس نبيه بري الذي استغرب أن ينهي جنبلاط حياته السياسية باشتباك مع طائفة بأسرها. والسؤال هو ما إذا كان جنبلاط ليُقدم على ذلك لولا تلقّيه إشارة من جهة ما؟
نتائج رفض المبادرة الفرنسية قد تكون أشدّ وبالاً من نتائج رفض «تسوية مورفي»


والفريق نفسه فوجئ بأن البطريرك بشارة الراعي الذي عاد من الفاتيكان بتوجيهات تشدّد على الحوار مع ثنائي أمل وحزب الله، سرعان ما انخرط في المشروع نفسه، وهذا ما أظهرته المعلومات عن اللقاءات التي عقدها موفدوه، إذ ركز هؤلاء على تسويق أزعور.
الحديث عن مستجدات اليوم يحيلنا إلى التاريخ القريب الذي يحفل بتجارب مشابهة. عام 1988، ولأسباب شخصية تتعلق بحسابات القيادات المارونية، رُفصت التسوية التي قادها في حينه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد مورفي، فكانت النتيجة مواجهات دامية على مدى سنتين، انتهت بتطيير صيغة الـ 1943 لمصلحة اتفاق الطائف الذي جرّد رئيس الجمهورية من صلاحياته وحوّله إلى «باش كاتب» في السلطة الإجرائية. أما اليوم، فإن المواجهة التي تخوضها القيادات المسيحية ضد المبادرة الفرنسية قد تاتي بنتائج أسوأ من نتائج رفض التسوية الأميركية - السورية آنذاك.
وفي اعتقاد الفريق الداعم لفرنجية، فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب تعزيز التحالفات والتفاهمات الداخلية، لا الذهاب نحو افتراقات كما هو حاصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر. وهو ما يعزّز السؤال في أوساط الفريق الداعم لفرنجية حول وجهة باسيل الأخيرة.