تقف بلدية بيروت على شفير الإفلاس بسبب «مزاريب» الهدر المفتوحة، في وقت ينصرف رئيس المجلس البلدي، جمال عيتاني، مع رجال أعمال لبنانيين، إلى إنشاء شركة متخصّصة في استخراج النفط، مركزها في الإمارات، للدّخول على خط الاستثمار في عمليّات استخراج النفط من البحر اللبناني.دائرة الصحة في البلدية هي أكبر هذه «المزاريب». ويؤكد أعضاء في المجلس البلدي أن الأموال التي أنفقتها لتغطية النفقات الاستشفائيّة والطبيّة وشراء الأدوية للموظفين العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم تكفي لفتح شركة خاصة للتأمين الصحي، إذ تجاوزت الـ 22 مليون دولار عام 2018، وارتفعت إلى نحو 24 مليوناً عام 2019، قبل أن تنخفض بفعل الأزمة الماليّة.
الأسبوع الماضي، نفّذ عناصر حرس البلدية وفوج إطفاء بيروت وقفة احتجاجية على تراجع التغطية إلى ما دون سقف 14 مليون ليرة للفاتورة الاستشفائيّة مهما كان رقمها، وذلك لتجنب إرسال الفواتير إلى ديوان المُحاسبة كما يقتضي القانون عندما تتعدّى أي فاتورة الـ15 مليون ليرة.
هذا التراجع لم يحفّز البلدية على إقفال مزاريب الهدر ووقف الفوضى المستشرية في دائرة الصحّة، بما يمكّن من توفير سيولة تسمح بزيادة المساعدات. أبرز مظاهر هذه الفوضى يكمن في «تأجير» البعض البطاقة الصحية المخصّصة للموظفين والمتقاعدين وعائلاتهم لتلقّي خدماتٍ استشفائيّة على حساب البلديّة، إلى أشخاص من غير العاملين أو المتقاعدين وعائلاتهم. المفارقة أن البلدية تفتقد إلى قاعدة بيانات مفصّلة حول أعداد المستفيدين الذين تختلف التقديرات حول أعدادهم بفارق كبير بين 12 ألف مستفيد و22 ألفاً، فيما يؤكّد مسؤولون في البلديّة أنّ الرقم لا يتخطّى الـ14 ألفاً مع دخول أشخاص جدد إلى لائحة المُستفيدين (بفعل الزواج والولادات) وشطب آخرين (بفعل الوفاة). هذا الفارق الكبير والمستغرب يفتح الباب واسعاً أمام الهدر والسرقة. ويضغط محافظ بيروت القاضي مروان عبّود على نحو 4 آلاف و500 موظف (عاملين ومتقاعدين ومتعاقدين) لتعبئة استمارات من أجل الحصول على «داتا» حقيقية وحصر عدد المستفيدين من البطاقة في كل عائلة، في ظل تلكؤ كثيرين عن تعبئتها. الفوضى تشمل أيضاً تحصيل المساعدات المرضية، إذ إن عدم وجود ماكينات تلف يمكّن من تمرير الدواء نفسه الذي تم تحصيل سعره أكثر من مرة.
لا «داتا» مفصّلة لعدد المستفيدين من التغطية الطبية والأرقام تُراوِح بين 12 ألفاً و22 ألفاً


عبود، من جهته، يقرّ بالفوضى، لكنه ينفي أن يكون هناك تزوير في دائرة الصحة، لأن «لا أموال أصلاً في صندوق البلدية إضافة إلى التدقيق المستمر الذي نقوم به عبر التشدّد في الموافقة على المُساعدات الاجتماعية والاستشفائيّة للموظفين بحسب حالة كل منهم».
وبحسب معلومات «الأخبار» يدرس المجلس البلدي بالتعاون مع المُحافظ عرضاً من إحدى شركات التأمين مقابل مليون ونصف مليون دولار. كما يبحث عبود إمكانية التعاقد مع بعض المستشفيات مقابل مبالغ مدروسة للحالات الطارئة فقط.
مع إجراءات ترشيد الإنفاق هذه، يشكو الموظفون من البطء في تخليص المعاملات الخاصة بالموافقات الاستشفائيّة وتحصيل الأموال مقابل الأدوية التي يشترونها، وهو ما يعزوه عبّود إلى قلّة عدد الأطباء المتعاقدين مع البلدية وتخلّفهم عن المداومة في مقر البلدية بسبب الأزمة الاقتصادية رغم أنّه قام برفع بدلات النقل، علماً أن مهماتهم تشمل الموافقات الطبيّة، دراسة فواتير المستشفيات والأدوية، والإشراف على القطاع الصحي في المطاعم ومحالّ بيع الأغذية.