على قاعدة أن كل مؤقت هو دائم في لبنان، تواصل مدرسة «ليسيه عبد القادر»، منذ العام الدراسي 2018 - 2019، احتلال مجمع المدارس الرسمية المعروف باسم «مجمع الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح»، في منطقة زقاق البلاط، بموجب صفقة سياسية اشتركت فيها بلدية بيروت، وقضت بتسليم المبنى الرسمي مجاناً لمدرسة خاصة، على حساب المصلحة العامة، ولمنفعة جمعية خاصة هي «مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة».فبعدما طالبت هند رفيق الحريري عام 2018 إدارة المدرسة بإخلاء المبنى العريق في العقار الذي ورثته عن والدها في منطقة البطريركية، لم تجد وزارة التربية في القوانين والأنظمة ما يجيز لها تقديم مدرسة رسمية مجاناً لحساب جمعية خاصة. لذلك، قضت الصفقة يومها بموافقة وزير التربية آنذاك مروان حمادة على طلب البلدية إعارتها المبنى المخصص للمدرسة الرسمية في منطقة زقاق البلاط لاستخدامه لـ«أغراض تربوية وتثقيفية»، مقابل تقديم البلدية مساهمة مالية بقيمة 750 مليون ليرة لدعم صناديق المدارس الرسمية، وتبرع الليسيه بـ 5 منح تعليمية للبلدية من دون أن يكون هذا التبرع موثقاً حتى بقرار رسمي.
سلكت الصفقة المرعية سياسياً طريقها، رغم رفض ديوان المحاسبة الموافقة على المساهمة المالية التي قررت بلدية بيروت إعطاءها للمدارس الرسمية في بيروت، وعددها نحو 75 مدرسة، بقيمة 750 مليون ليرة، مقابل تخليها عن مبنى للمدرسة الرسمية وتسليمه مجاناً لجمعية خاصة. فهل تدفع البلدية هذا المبلغ فعلاً وخصوصاً أنه كان مشروطاً، وفق القرار البلدي، بوجهة محددة، وهي تعزيز المعلوماتية في التعليم الرسمي، ولا يمكن صرفه في وجهة أخرى؟
ومنذ ذلك التاريخ، لم يطعن أحد في قرار منح مدرسة خاصة حق استعمال مبنى مخصّص للتعليم الرسمي، وحرمان طلابه من استعماله، ومد اليد إلى المال العام، مقابل خمس منح تعليمية أعطيت لبعض الأعضاء والأزلام. فيما تفرض المدرسة الخاصة نفسها التي تستخدم المنشأة العامة مجاناً، أقساطاً ترتفع عاماً بعد آخر وتراوح اليوم بين 2000 و2500 دولار و30 و35 مليون ليرة، وتنال مساعدات من الحكومة الفرنسية لا يصل أغلبها إلى الأهالي.
أسئلة كثيرة لا إجابات لها: هل أبرم خلال هذه الفترة عقد إيجار بين الدولة اللبنانية ومؤسسة الحريري، وما دور بلدية بيروت في هذه الوساطة؟ وإذا كانت البلدية، في وضعها الحالي، تستنفر طاقاتها وموظفيها لزيادة المداخيل ووقف استنزاف أموالها، لماذا لا تضع هذا الملف في إطاره القانوني وتتقاضى بدل إيجار من المدرسة؟ ولماذا تمنح الوزارة مبنى مجاناً لجمعية خاصة في وقت تدفع فيه الوزارة إيجار مدرسة زقاق البلاط الرسمية المختلطة التي تقع في الشارع نفسه؟ ولماذا لم تنقل هذه الأخيرة إلى المبنى الجديد منذ عام 2014؟ وهل لا تزال المدرسة تدرج بند الإيجار ضمن موازنتها السنوية، ويحتسب بالتالي من القسط المدرسي؟ ومن هي الجهة الرسمية المخوّلة صيانة الأملاك الخاصة بالدولة لتضع حدّاً لهذه المعضلة - التسوية بين زعماء الطوائف والأحزاب، هل هو مجلس شورى الدولة أم ديوان المحاسبة أم محافظ بيروت؟ علماً أنه تم إنفاق 112 ألف دولار للمؤازرة الفنية للمبنى من القرض وخزينة الدولة عام 2021، في وقت كانت تشغله مؤسسة خاصة!

7 ملايين دولار في خدمة جمعية خاصة
شيّد مبنى مجمع المدارس الرسمية بقرض من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بقيمة 6 ملايين و859 ألف دولار، لاستقبال 1932 تلميذاً من الروضة حتى المرحلة الثانوية، ابتداء من العام الدراسي 2013 - 2014، إلا أنَ خلافاً نشب بين مجلس الإنماء والإعمار والمتعهد، وتحفظت وزارة التربية عن أعمال لم يقم بها الأخير، وخصوصاً في المرحلة الأخيرة لإنجاز البناء، ما حال دون فتح المجمع، علماً بأن الوزارة أكدت آنذاك أن مدينة بيروت بأمسّ الحاجة للمدارس الرسمية، حيث القسم الأكبر من المباني الحالية مستأجر ولا تتوافر فيها شروط البيئة المدرسية الملائمة، ومنها على سبيل المثال مدرسة زقاق البلاط الرسمية المختلطة التي تقع في الشارع نفسه (شارع بطرس البستاني)، والتي تبعد عشرات الأمتار عن المجمع، وتضم 243 تلميذاً.
أنفقت على صيانة المبنى 112 ألف دولار من خزينة الدولة عام 2021 فيما تشغله مدرسة خاصة


أشغال المشروع لُزّمت عن طريق مناقصة أجراها المجلس، بتمويل من الصندوق الكويتي، لمعالجة لائحة العيوب التي وضعها الاستشاري المشرف على تنفيذ المشروع، ولجنة الاستملاك المكلفة بذلك، والتي تضم ممثلاً عن وزارة التربية. وبحسب لوائح مجلس الإنماء والإعمار المنشورة على الموقع، نُفذت أشغال لمعالجة النش في المشروع بعقد بقيمة 115 ألفاً و500 دولار، في كانون الأول 2014. ثم أُصلحت العيوب والشوائب التي تعتري المشروع بعقد بقيمة 270 ألفاً و700 دولار في كانون الثاني 2015. كذلك بلغ عقد المؤازرة الفنية والإشراف على البناء التي يفترض أنها أنجزت، في تشرين الثاني 2021، نحو 112 ألف دولار، ما يعني أن مجموع كلفة المبنى هو نحو 7 ملايين و300 ألف دولار، من دون أن تستخدمه المدرسة الرسمية يوماً واحداً.