«قُتلت راجية العاكوم على يد طليقها»، فُجعت بلدة بسابا الشّوفيّة بهذا الخبر المأساوي بتاريخ 25/5/2023، وفق ما جاء في بلاغ لقوى الأمن الداخلي. وقد أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بلاغاً ثانياً بعد أيام جاء فيه: «جرى قبل ظهر اليوم 29-5-2023 تمثيل شجريمة القتل التي هزّت الرأي العام اللبناني. وقد مثّل الجاني جريمته بحضور المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي رامي عبدالله، قائد سريّة بيت الدّين في وحدة الدّرك الإقليمي المقدّم جوني بجّاني، قائد فصيلة شحيم النقيب حمد قيس، وعدد من ضبّاط ورتباء قوى الأمن الداخلي. وقد استمع الحاضرون إلى تفاصيل من الجاني تتعلّق بالجريمة، منذ بداية لقائه بطليقته إلى مجمل التفاصيل حول دهسه المغدورة، حتّى فارقت الحياة». وكانت قد انتشرت صور هذا «الإجراء السرّي» عبر الوسائل الإعلامية وجرى تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. قد تكون إعادة تمثيل الجريمة أمراً ضرورياً للقضية لعرض وتوثيق الأفعال الجرمية بشكل منظّم وتحديد تسلسل الأحداث، في المكان والزمان الفعليين، مع مراعاة منطقية تسلسلها لتكون متّسقة مع الأدلة التي تم الحصول عليها من الموقع. يُستخدم هذا الإجراء كجزء من جمع الأدلة لإثبات ذنب أو براءة المشتبه فيه، ولاستخراج حقائق أكثر وضوحاً تتعلق بخطورة الفعل أو سبب أفعال المشتبه فيه أو تخفيف العقوبة، مثل ما إذا كان دفاعاً مشروعاً أو بسبب الضرورة.

(بيتريز كاسترو ــ إسبانيا)

عملياً، قد تواجه إعادة تمثيل الجريمة مشكلات تتعلق بانتهاك حقوق وكرامة المشتبه فيه، والحق في افتراض براءته، والحق في تأمين الحماية والسلامة من قبل الدولة. إلى جانب ذلك، تقوم الوسائل الإعلامية بتسجيل عملية المخالفة تلك وتنشرها على الملأ. الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى تدمير سمعة المشتبه فيه وقيمته الاجتماعية، ولا سيّما أنه يُعرض خبر إعادة تمثيل الجريمة وبيان ملابساتها وأنماطها وإجراءاتها وطرق ارتكابها، من دون التستر على الوجه والاسم واللقب والمعلومات التي تبيّن هوية المتّهمين. نستعرض في ما يلي بعض المعايير التي قد تساعد في تطوير هذا النوع من الإجراءات، التي من المفترض أن تكون «سرّية»، مع الحفاظ على حقوق المشتبه فيهم.

حماية الممثّل
من المفترض ترتيب إعادة تمثيل الجريمة، لغرض جمع الأدلة، بطريقة تراعي حياة المشتبه فيه وتأمين الحماية في مسرح الجريمة. ففي بعض الأحيان يكون من الضروري مواجهة المشتبه فيه مع الضحية أو مع أقارب الضحية، الأمر الذي قد يعرّض المشتبه فيه لخطر الاعتداء. لذلك ينبغي أن يكون لدى ضبّاط وعناصر الشرطة خطة لتقييم ومعالجة الاضطرابات المختلفة التي قد تحدث. كذلك، يُفضّل تجنّب إعادة تمثيل الجريمة في الحالات التي يمكن من خلالها الحصول على النتائج والمعلومات المطلوبة على أساس شهادات شهود العيان في مسرح الجريمة.

خبير جنائي محترف
يُعدّ وجود خبير جنائي لديه المعرفة والقدرة اللازمتان أمراً أساسياً لتحديد ما إذا كانت اعترافات المشتبه فيه تتناسق مع الأدلة في مسرح الجريمة والعلاقة المتبادلة بينها، خاصة في الحالات التي تُنتزع فيها الاعترافات من المشتبه فيهم تحت الضغط، أو في الحالات التي يعترف المشتبه فيه بذنب لم يرتكبه لأغراض أخرى (المال، أو حماية المرتكب الحقيقي، أو غيرها).
لتطوير الإجراءات «السرّية» مع الحفاظ على حقوق المشتبه فيهم


ففي تلك الحالات يكون الخبير الجنائي قادراً على تحديد ما إذا كانت سلسلة الأحداث التي يصفها و«يمثّلها» المشتبه فيه قد أنتجت فعلاً الأدلة التي رُفعت ووُثّقت في مسرح الجريمة، بما في ذلك مسار الطلقة، والحركة في مسرح الجريمة والانسيابات الدموية وغيرها.
بالإضافة إلى ضرورة وجود محام للمشتبه فيه خلال إعادة تمثيل الجريمة. فإلى حين صدور الحكم المبرم من المحكمة، من حق المشتبه فيه وجود محامٍ من أجل تقديم المشورة الواضحة والمساعدة في كل خطوات التحقيق ولا سيّما في إجراءات إعادة تمثيل الجريمة.

الحفاظ على قرينة البراءة
من الضروري أن يستند إجراء إعادة تمثيل الجريمة إلى مبادئ عملية واضحة ودقيقة، تحدد المتطلبات واللوائح القانونية التي تنص على نوع القضايا الواجب إعادة تمثيل الجريمة فيها، ونوع الإجراء الذي لا يجب القيام به. على أن تكون إعادة تمثيل الجريمة قائمةً على أساس المبدأ الذي يفترض أن المشتبه فيه لا يزال بريئاً حتى تحكم المحكمة بأنه مذنب.



scoop
تعرض وسائل الإعلام الأخبار للجمهور على أساس «الحقيقة» بطريقة درامية تشحذ عواطف الناس لكراهية المشتبه فيه «البريء حتى تثبت إدانته». فعندما يعترف المشتبه فيه بارتكاب الجريمة، يُقدّم لإعادة تمثيل الجريمة، التي تكون في حضور الجمهور ووسائل الإعلام الذين يستجيبون بطرق مختلفة وفقاً لوجهات نظرهم وآرائهم وشعورهم، رغم أن المحكمة لم تحكم بعد إذا كان المشتبه فيه هو الجاني الحقيقي.
من المفترض أن تكون إعادة تمثيل الجريمة بعيدة عن الوسائل الإعلامية والجمهور، فهي إجراء يُستخدم لغرض جمع الأدلة، أي يقع ضمن التحقيقات السرّية. ويُعدّ نشر الوسائل الإعلامية لإعادة تمثيل الجريمة خرقاً واضحاً للإجراءات القانونية العادلة وانتهاكاً للحق بالخصوصية للمشتبه فيه.