كانت بيروت أمس تترقب نتائج اللقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي عُقد في العاصمة التركية، بمساع إخوانية وقطرية وتركية تمكّنت من جمع الرجلين للمرة الأولى منذ عام بعد لقائهما الأخير في الجزائر. لكنّ الترجيحات هي ألا ينجح اللقاء في تبديد التباينات التي تعرقل التوافق الداخلي على السلطة والتمثيل السياسي في غزة والضفة الغربية وعلى إدارة ساحات الشتات، وأبرزها لبنان الذي يشهد تغيّرات فلسطينية سريعة مع تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية لصالح تقدم نفوذ حماس وحركة الجهاد الإسلامي.أزمة المنظمة الوجودية بحثها رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج في لقاءاته البيروتية أول من أمس. وكان في جعبته خلال التحضير للزيارة، احتجاج سيوجهه إلى السلطات اللبنانية لسماحها بحرية حركة إضافية لقيادات حماس والجهاد في بيروت. لكنّ التهدئة المفروضة قبل لقاء القاهرة للأمناء العامين لفتح وحماس ومختلف الفصائل والقوى الإسلامية والوطنية، في 30 تموز الجاري، أجبرت فرج على خفض سقف الاحتجاج من دون أن يخفي تحفّظاته أمام مدير المخابرات في الجيش اللبناني طوني قهوجي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وما سمعه من المسؤولين اللبنانيين أحاله إلى البحث في إيجاد مخارج لأزمة المنظمة في لبنان. قادة عسكريون طالبوه بإعادة تنظيم قوات الأمن الفلسطيني والشرطة الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات. وتلقّى فرج تقارير من الجيش عن تورط ضباط من فتح وفصائل المنظمة في تجارة المخدّرات وتصنيع الكبتاغون داخل المخيمات والتغطية على ظواهر اجتماعية متفلّتة وانتشار السلاح عشوائياً.
تلقّى فرج تقارير عن تورّط ضباط من فتح في تجارة المخدّرات داخل المخيمات


واستبقى فرج مساعده مدير المخابرات الدولية في جهاز المخابرات الفلسطينية ناصر العدوي في بيروت للمتابعة مع الجيش الذي يطالب بتعزيز مرجعية توافقية ينسّق معها في إدارة شؤون المخيمات الأمنية. وكان الجيش قد افتتح محاولاته لضبط السلاح داخل المخيمات وخارجها مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة وليس مع فتح كما كان متوقّعاً، إذ وافقت الجبهة على سحب جزء من سلاحها في مخيم البداوي وفي مواقعها في الناعمة. وبنتيجتها، قام الجيش للمرة الأولى منذ اتفاق القاهرة عام 1969 بتسيير دوريات في المنطقة قبل نحو ثلاثة أسابيع. ويجري التفاوض حالياً مع القيادة على سحب جزء من سلاحها في قوسايا وخمسة مواقع أخرى في البقاعين الأوسط والغربي. لكنّ الاقتراح الأبرز الذي تلقّاه فرج للخروج من أزمة المنظمة وفتح هو فصل السفارة عن القيادة السياسية للفصائل. وربطت قيادات لبنانية هذا الاقتراح بأداء السفير أشرف دبور، مطالبة بإبعاد السفارة بوصفها تمثيلاً دبلوماسياً للفلسطينيين أمام الدولة عن التجاذبات السياسية والأمنية للفصائل.



استراتيجية نيابية لإقرار الحقوق الفلسطينية
استضافت لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في السراي الحكومي، أمس، الاجتماع التشاوري الأول لعرض «الرؤية الموحّدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان» على النواب سعياً لإقرار الحقوق المدنية للاجئين. المجموعة الأولى من النواب ضمّت نعمة افرام وإبراهيم منيمنة ووليد البعريني ومحمد سليمان وعماد الحوت ونبيل بدر وعبد العزيز الصمد وسجيع عطية الذين اطّلعوا على مسوّدة القانون الذي «ينظّم مسألة الحقوق للاجئين الفلسطينيين تحت سقف الدستور الرافض للتوطين» كما وصفه رئيس اللجنة باسل الحسن. الاجتماعات التشاورية مع النواب التي تهدف الى حشد أكبر تأييد لإقرار القانون، صارت بديلاً من مجموعة العمل التي تألّفت من ممثلي الأحزاب اللبنانية وناقشت لسنوات منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والهواجس لدى البعض. ورأى الحسن أن النواب هم المسار القانوني والتشريعي الموضوعي من دون إدخال الفلسطينيين في التجاذبات اللبنانية التي لم تؤدّ إلى نتيجة.
وتوقّف النواب عند ما ينص عليه القانون المقترح من إصدار بطاقة بيومترية لكل لاجئ بديلة من الوثيقة الزرقاء وتنظيم الخدمات العامة داخل المخيمات من كهرباء وماء وإلغاء إجازة العمل لما يعتريها من تعقيدات تدفع الفلسطينيين إلى العمل بطريقة غير شرعية، إذ تصدر وزارة العمل سنوياً 500 إجازة فقط. كما يمنح القانون الفلسطينيين حق تأسيس جمعيات غير سياسية وحق تملّك شقة وسيارة من دون تملّك عقارات. وأفرد القانون حيزاً واسعاً لإدارة المخيمات بتكليف الحكومة للجنة الحوار بوضع خطة تراعي تعريف المخيم والملكيات الخاصة التي تمدَّد عليها وتحديد دور الدولة فيها.


هل يطير لقاء القاهرة قبل عقده؟
عدم توافق محمود عباس وإسماعيل هنية، في أنقرة، على النقاط الخلافية يهدد التئام لقاء القاهرة للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، في 30 تموز الجاري، تكراراً لاجتماعين مماثلين عُقدا في بيروت عامي 2020 و2022. جدول أعمال لقاء القاهرة الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه يفيد باستعداد قيادة رام الله للمصالحة، مع لائحة مطالب ستناقشها مع حماس، منها اعتراف الأخيرة بالاتفاقيات الدولية التي أبرمتها منظمة التحرير ومشاركتها في حكومة وحدة وطنية وقبولها بمقاومة غير مسلّحة ضد إسرائيل مع تأليف لجنة للمتابعة ومناقشة نتائج اللقاء مع قطر.
قيادات فلسطينية اعتبرت أن ما يطلبه عباس تعجيزي. ولذلك، فإن لقاء أنقرة سيطيّر لقاء القاهرة. فحماس والجهاد الإسلامي اتفقتا في لقاءاتهما التنسيقية الأخيرة في بيروت على أن الاعتراف بالاتفاقيات الدولية اعتراف ضمني بإسرائيل، وأن مطلب الانضمام إلى حكومة وطنية وإجراء انتخابات نيابية لن يكون بمعزل عن العدو الذي سيتحكّم بآلية التصويت والفرز في الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن استمرار السلطة في اعتقال الشبان المنخرطين في حركات المقاومة في الضفة. الشروط المسبقة التي وضعها عباس للقاء القاهرة دفعت بالجهاد الإسلامي إلى المقاطعة، في حين أعرب ممثلو الفصائل الأخرى عن مشاركتهم على نحو مبدئي.