مرّ مشهد العراك بين الوزير السابق وئام وهاب والصحافي سيمون أبو فاضل مرور الكرام، وانتهى بـ«بوسة شوارب» على طريقة «أبو ملحم»، في مشهد يعبّر عن جزء من الواقع في حياتنا السياسية. «التلاكم» قام على خلفية التهديد والاستقواء بالعقوبات الأميركية على شخصيات لبنانية تعمل في حقل السياسة وقطاع الأعمال.سيمون أبو فاضل، بحسب التعبير اللبناني، يستقوي بعضلات غيره ويعطي صورة عن بعض اللبنانيين الذين لا يهتمون سوى بالوصول إلى غاياتهم، ولو عن طريق الوشاية وكتابة التقارير، وحتى تلفيق الأخبار بهدف إيذاء أخصامهم أو منافسيهم. هذه الفئة تعتبر أن الولايات المتحدة بلد المساواة والديموقراطية والعدل. وبالتالي، فإن إصدارها عقوبات في حق أي أحد، يجعله حكماً من المغضوب عليهم والأشرار، فيسقط عليه الحرم، وتتعطل أعماله، ويُمنع من التواصل مع كثيرين من أبناء بلده، وحكماً يتوقف تواصله مع الغرب.
لكن، تدل التجربة على أن الوشاة يتجاهلون أن العقوبات لا تُبنى على وقائع، وإنما وفق سردية سياسية تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها تثبيتها في العقل اللبناني. لقد عوقب الوزير وهاب مثلاً، على خلفية منع حكومة الرئيس السنيورة من العمل. لكن، كيف للسفارة الأميركية أن تتجاهل حقيقة أن العلاقة بين الرجلين تكاد تصل إلى مرحلة الصداقة. رجل الأعمال جهاد العرب المحسوب على 14 آذار، المتحالفة مع الأميركيين، عوقب لاتهامه بزيادة المياه على النفايات المكلّف بطمرها، ليتبين أن هذا غير ممكن، كون عملية جمع النفايات منوطة بشركة أخرى. ثم يُتهم بتنظيم لقاء جمع بين قطبين سياسيين، مثل العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري. استناداً إلى شائعات وأخبار صحافية غير دقيقة، قبل أن يتبين لاحقاً أن هذا الدور لعبه نادر الحريري ومجموعة من الشخصيات المقرّبة من الطرفين.
لا تقف العقوبات على كونها سردية سياسية، ولا تقوم على معايير واضحة أو محددة، وهو ما يظهر في لائحة الأسماء المعاقَبة أو المهدَّدة بالعقوبات. مع ذلك، فإن عقوبات الأميركيين، كما الوقائع الصلبة في لبنان، تظهر أنها لم تحقق يوماً أياً من أهدافها المعلنة. ولطالما ادّعت الإدارة الأميركية، على لسان وزارات الخارجية أو الدفاع أو الخزانة، أن هدف العقوبات هو تغيير الواقع في لبنان. لكن النتيجة الفعلية كانت معاكسة، وزادت هذه العقوبات التعقيدات على الواقع السياسي في لبنان، وها نحن اليوم، لا نرى رئيساً للجمهورية قد انتُخب، ولا نجد حلاً سياسياً قد أُبرم لمعالجة مشكلات البلاد. بل على العكس، فإن النتيجة الوحيدة والأكيدة لهذه العقوبات، أنها أدّت إلى تشريد آلاف العائلات اللبنانية، بعد خسارة الموظفين لأعمالهم في هذه المؤسسات والشركات، ما تسبب بمزيد من الفقر والهجرة.
على اللبنانيين التبصّر في أمورهم، والتثبت من أن الأمور لا تُعالج بهذه الطريقة. وكل من يرى أن العقوبات سلاح مجدٍ، عليه إعادة التفكير ملياً في الأمر، وكل من يستقوي على خصومه بالعقوبات الغربية، عليه أن يفكر أكثر، لأن من يقف خلف العقوبات لا يميّز عدواً من صديق.