في ديباجة العدو لتفسير ما يسميه «استفزازات حزب الله» على طول الحدود، أن التقديرات لدى الجانب اللبناني هي أن إسرائيل ضعيفة حالياً بسبب أزمتها الداخلية وعلاقاتها المتردّية مع الولايات المتحدة، ما يوجب على تل أبيب نزع هذا «المفهوم الخاطئ»، قبل أن يتسبب الحزب بما لا يريده الطرفان.لكن، ماذا لو كانت التقديرات الإسرائيلية نفسها قائمة على تفسير مغلوط لهذه «الاستفزازات»؟ وماذا لو لم تكن الأزمة الداخلية وتردّي العلاقة مع واشنطن، على طاولة التقدير والقرار في لبنان، أساس العوامل التي تدفع إلى «الاستفزاز»؟
التفسير المغلوط لأسباب الاستفزازات يؤدي إلى حلول غير مجدية وغير فعّالة للحؤول دونها. وهذا الأمر واحدٌ من أهم التحديات أمام الجانب الإسرائيلي، في زمن بات يصعب فيه اتخاذ قرارات متطرفة، عسكرية وأمنية، لإزالة التهديدات في الساحة اللبنانية، أو الحؤول دون تشكّلها. والتفسير الخاطئ كما المغلوط، ليس حكراً على طرف دون آخر.
في الأسباب، «خلطة» من العوامل والدوافع والحوافز التي تشكل ما تصفه إسرائيل بـ«الاستفزازات»، وهي في قسم كبير منها ردود على أفعال اعتدائية إسرائيلية واستفزازات بادر إليها جيش العدو على طول الحدود، من بينها محاولة فرض وقائع ميدانية تتجاوز، أو تكاد، قواعد الاشتباك التي حكمت العلاقة بين الجانبين طوال السنوات الماضية، والعمل على تغيير «الميدان» على طول الخط (بناء منحدرات والتجريف وحفر خنادق وتدشيم واقتلاع أشجار) بما يضمن لإسرائيل تحسين تموضعها الدفاعي في حال قرّر حزب الله اجتياز الحدود. علماً أن «الاستفزازات» بدأت منذ أكثر من عامين، أي قبل الانقسام الداخلي في الكيان وتوتر علاقته مع واشنطن.
مع ذلك، التقدير السائد في تل أبيب هو أن الأزمة الداخلية هي سبب «تآكل الردع» و«جرأة حزب الله» و«عودته إلى الحدود بما لا يقاس عما كان عليه عشية حرب عام 2006». وتبعاً لهذا التشخيص، تأتي الحلول الإسرائيلية، «الإبداعية» و«غير الإبداعية»، لتركّز على «خلخلة» ما يترسّخ في وعي حزب الله (وفق التقديرات الإسرائيلية)، بأن تداعيات الأزمة تقلّص من فاعلية الجيش الإسرائيلي وتماسكه وكفاءته، وتؤثر على قراره في الرد على «الاستفزازات». وتزخر إسرائيل بتصريحات ومواقف واستعراضات قوة، مما لا يتسع المقام لسرده، مع كثير من المبالغة، ما يصعّب تحقيق الهدف بـ«إعادة تصويب الوعي» واسترجاع «الردع المثقوب».
قبل أيام، عرضت إسرائيل لمناورة أجراها اللواء السابع في الجيش، وهو اللواء الأكثر شهرة لدى سلاح المدرّعات مع دبابات «ميركافا» من الجيل الرابع. وعدّ الإعلام العبري المناورة «إشارة إلى (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصرالله لأنها تحاكي حرباً في لبنان». وفي حال لم تكف حزب الله هكذا «إشارة»، جرى التشديد على أن المناورة مشتركة مع سلاح المدرعات الأميركية.
فهل أرادت إسرائيل أن تستعيد الردع أو التسبب بمزيد من تآكله؟ إذا كانت رسالة المناورة «إبداعية»، مع «تعظيم» مشاركة المدرعات الأميركية فيها لتظهير الوئام بين الحليفين، إلا أنها فُهمت في الجانب الثاني على أنها رسالة ضعف: ألم تعد لدى المدرعات الإسرائيلية قدرة على المناورة في البر اللبناني حتى تستعين بالمدرعات الأميركية؟ وهل وصلت الخشية من الدخول إلى لبنان إلى هذا الحد؟
معضلة إسرائيل و«إبداعاتها»: «إحراج» حزب الله يخيف المستوطنين


أول من أمس، عرض الجيش الإسرائيلي ما قال بأنه مقطع فيديو لعناصر من حزب الله يسيّرون دورياتهم بمحاذاة السياج الحدودي مع فلسطين المحتلة. ووصف الإعلام العبري «الحادث» بأنه «لا سابقة له». ووفقاً للقناة 13 العبرية، فإن «كل العناصر كانوا يرتدون بزّات متشابهة ويحملون عتاداً يبدو نوعياً. كما أنّ بنية أجسامهم، المختلفة كثيراً عن بنية معظم ناشطي حزب الله الذين يعملون على الحدود، ترجّح أنهم قوة عسكرية مدرّبة، ويحتمل أن يكونوا من وحدة النخبة رضوان، المنتشرة على طول الحدود».
المقطع صوّره الجيش الإسرائيلي قبل أسبوع من عرضه. وطوال أيام هذا الأسبوع، وفقاً للتقديرات، كان هناك أخذ وردّ حول ما إذا كان من المفيد نشره والتسبب بـ«إحراج» حزب الله رغم ما قد يثيره من قلق بين المستوطنين؟ اتُّخذ القرار، وتقرّر «توجيه الضربة» إلى حزب الله! أما المستوطنون فتحدّث باسمهم لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ضابط أمن المجلس الإقليمي في منطقة الجليل الشرقي، معرباً عن قلقه من هذه التطورات التي تنذر بالأسوأ. وقال: «يأتون إلى السياج كل يوم ويدمّرونه. لم نعد نُفاجأ برؤيتهم يقومون بدوريات في المنطقة، والحدود أصبحت الآن كما كانت عليه قبل حرب لبنان الثانية (2006)، وفي الأشهر الأخيرة، باتت الاستفزازات بلا حدود».
بالطبع سيتساءل حزب الله، في حال صحّت المشاهد، عن مدى الإحراج الذي أوقعه الإسرائيلي به، وإن كان القلق لدى المستوطنين، بعد انتشار المقطع في الإعلام العبري، دفع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إلى «تهدئة الأمور»، عبر إعلان أن عناصر الحزب «لم يتجاوزوا الخط الأزرق وكانت قواتنا تراقبهم بشكل كامل طوال الوقت. ولو عبروا الحدود لكانت القوة ستتصرف معهم على هذا الأساس، ولا يوجد خطر على قواتنا وعلى سكان الشمال».