لا يعرف كثيرون أنّ تعيين شاغلي المناصب التنفيذية في الوكالات التابعة للأمم المتحدة يخضع لاعتبارات المحاصصة والنفوذ. إذ إن هناك ما يشبه العُرف الذي يتّبعه الأمين العام للأمم المتحدة لدى تعيين المفوضين والمدراء التنفيذيين لوكالات لـ UNDP وUNHCR وUNICEF وUNESCO وغيرها من الوكالات، مراعياً حصص الإسكندنافيين والبريطانيين والألمان والأميركيين وغيرهم. اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا («الإسكوا») ليست استثناء. وبما أنّ الجهات التي يجب أن يراعيها الأمين العام للأمم المتحدة لدى تعيين الأمين التنفيذي لهذه الهيئة هي الدول العربية، يعمد إلى الوقوف على خاطر الأنظمة الرسمية لمعرفة أيّ المرشّحين يحظى بالدعم والتأييد.
ولأخذ فكرة عن الكيفية التي تحصل فيها العملية، يمكن أن نأخذ مثالاً بسيطاً عن نوع الرسائل التي يتلقّاها مكتب الأمين العام من جهات عربية عندما يكون هناك توجّه لتعيين شخصية في منصب على رأس هذه الوكالات. مثلاً، في 2 حزيران 1995، أرسل وزير المهجّرين في الحكومة اللبنانية وليد جنبلاط رسالة للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بطرس بطرس غالي يُعلِمه بأنّه «يقدّم دعمه الشخصي لترشيح الدكتور قيس غانم نعمان (يمني جنوبي) لشغل منصب مساعد الأمين العام – مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي».
بالنسبة إلى نظام رسمي عربي كالنظام السعودي، لطالما نظر إلى المنظّمة الدولية وكل وكالاتها على أنّها «الممسحة» التي من شأنها أن تلمع صورته وتنظّف من خلفه دماء ضحاياه. فالرياض التي مثلاً كانت توجّه خطاباً رسمياً عبر عبد الله المعلمي، مندوبها في الأمم المتحدة، لبان كي مون في أواخر أيار 2012، وتعرض عليه بأن تقلَّه في زيارته الرسمية إلى السعودية في 2 حزيران من نيويورك إلى جدّة ومن ثم إعادته إلى نيويورك على حسابها، إنّما فعلت ذلك لحاجتها إلى صورة الأمين العام للمنظّمة الدولية في افتتاح أعمال «الاجتماع الثاني للمجلس الاستشـاري لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب»، في إطار تلميع صورتها وسعيها إلى إبعاد تهمة دعم الإرهاب والمسؤولية عن إنتاجه (لم ينسَ بان كي مون شكر النظام الذي موّل تأسيس المركز على كرمه وسخائه في تصريحاته).
لطالما نظر النظام السعودي إلى المنظّمة الدولية وكل وكالاتها على أنّها «الممسحة» التي من شأنها أن تلمع صورته

هذا النظام نفسه، استعان – ولا يزال - بالأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي، لتلميع صورته في قضايا إقليمية عدّة، كمشاريع «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، و«كراتين» إعاشات مركز سلمان للإغاثة في لبنان، ولكن أخطرها كان في اليمن. ففي 6 تشرين الأول عام 2019، وبينما كانت طائرات العدوان، الذي تقوده السعودية، تقصف المدنيين في صعدة وعمران، وترتكب مجازر وتمنع سفن الوقود والدواء من الرسو في ميناء الحديدة، كانت دشتي تلتقي محمد آل جابر في الرياض وتصرّح بعد الاجتماع بأنّ «دور السعودية يؤكد أنّها دولة مسؤولة تقوم بواجبها الإنساني والتنموي».