رغم التباين بين ممثلي المؤسسة الأمنية، أثناء مثولهم أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست قبل أيام، حول ما مثّل نقطة تحول في معادلة الردع لمصلحة حزب الله، إلا أن هؤلاء أقرّوا بأن تعاظم قوة الحزب سبق الأزمة الداخلية الإسرائيلية التي وفّرت فرصاً إضافية لحزب الله ومحور المقاومة. وينطوي هذا التباين على رسائل ومؤشرات في أكثر من اتجاه، أهمّها أن فعّالية قوة ردع حزب الله وتطوّرها والمدى الذي بلغته، كلّ ذلك كان من المسلّمات، وأن الخلاف بين الطرفين هو فقط حول المحطة التأسيسية للمسار التصاعدي لهذه القوة. ومما يُضفي خصوصية على هذا التباين أنه بين وزير الأمن يوآف غالانت، الرأس السياسي للمنظومة الأمنية، والاستخبارات العسكرية كجهة مهنية ممثّلة برئيس قسم الأبحاث العميد عميت ساعر، وأن هذا التباين تظهّر أمام أهم لجنة في الكنيست، لها دورها في مواكبة التحولات والتحديات التي تواجه إسرائيل عبر مثول كبار قادة الكيان السياسيين والأمنيين أمامها، وتقديمهم تقارير حول المخاطر التي تواجه إسرائيل والخيارات الواجب اتّباعها.ورغم أن جلسات اللجنة تتّسم بالسرية، إلا أن بعض نقاشاتها قد يتسرّب أحياناً أو يتم تعمّد الكشف عنه بما لا يتعارض مع أمن المعلومات. وفي هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية أن غالانت أكّد أن اتفاق الغاز شكّل محطة تحوّل مفصلية في تعاظم ردع حزب الله. وعندما سألته عضو اللجنة ميراف ميخائيلي (كانت وزيرة في حكومة بينت التي صادقت على الاتفاق) عمّا إذا كان هذا تحليله أم تحليل المؤسسة (الاستخبارات والجيش)، أجاب بأن «هذا موقفي على أساس كل تحليلات المؤسسة الأمنية والتقديرات الاستخبارية». فردّت عليه: «عندما صادقنا على اتفاق الغاز مع لبنان كان هذا بتأييد كل الجيش فما الذي حصل فجأة؟». وعندما طالب أعضاء الكنيست من ممثلي الجيش والاستخبارات الادلاء برأيهم. لم يجار رئيس وحدة الابحاث في الاستخبارات، العميد ساعر، وزير الأمن، إذ أكّد بوضوح أن «تحليلنا مغاير»، وأن المسار الذي عزَّز قوة حزب الله سبق هذا الاتفاق.
في المقابل، تبرز أسئلة اكثر دقة وعمقاً حول النقاش في شأن نقطة التحول في تعاظم قدرة حزب الله، وهل هو نتيجة تطور مستجدّ في قدرات الحزب وفي ارادة تفعيل هذه القدرات، أم أنه مرتبط بمتغيرات قيَّدت الطرف الاسرائيلي وعزَّزت حافزية حزب الله؟ يمكن اجمال الجواب بأن الأمر يعود الى تضافر مجموعة من العوامل، وبأن اتفاق الغاز هو نتيجة لهذا المسار التصاعدي. ولذلك هو بالتأكيد سابق على الازمة الداخلية في اسرائيل.
ولهذا النقاش وجه آخر يتصل بالصراع السياسي داخل كيان العدو، إذ تتقاذف المنظومة السياسية المنقسمة على ذاتها المسؤولية عمن يقف وراء تآكل الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله. ومع أن جزءاً كبيراً من المعارضين يُحمِّل حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية بسبب إصرارها على الدفع بمخطط التعديلات القضائية الذي أحدث انقساماً حاداً في المجتمع، وتأكيد الاستخبارات والجيش على دور الخلاف الداخلي في تسريع تآكل الردع وتراجع المكانة الاستراتيجية لإسرائيل، إلا أن نتنياهو يتعمّد إرجاع ذلك إلى اتفاق الغاز كجزء من السجال السياسي لإبعاد المسؤولية عن حكومته. بذلك، يصبح للمتغيّر الداخلي دور جوهري في تعميق حالة الضعف الإسرائيلي وتعزيز قوة ردع حزب الله، لكن باعتباره عاملاً مستجداً وليس محطة تأسيسية في هذا المسار.
وفي وقت هناك في لبنان من لا يزال يشكّك، عن جهل أو حقد، في دور المقاومة في حماية لبنان وكبح العدو عن الاعتداء على هذا البلد، يبدو واضحاً من السجال داخل الكيان أن المقاومة تجاوزت مرحلة إقرار العدو بدورها في جعل احتلاله مكلفاً وفي ردعه طوال السنوات التي تلت حرب 2006، وتطورت إلى المستوى الذي قلَّصت فيه طموحات العدو إلى مستوى أصبحت فيه إزالة خيمة من دون مواجهة عسكرية طموحاً بالنسبة إليه!