ما يلفت في الأزمة الداخلية الإسرائيلية هو إباحة استخدام كل الأسلحة، ولو كان الثمن الذي ستدفعه إسرائيل - «الدولة» من أمنها. ومن بين الأسلحة التي تشهرها المعارضة في وجه الحكومة (كان الأمر معكوساً في ظل الحكومة السابقة)، المطالبة بحلول عسكرية لتهديدات حزب الله و«استفزازاته»، حتى لو أدّى ذلك إلى مواجهة عسكرية واسعة.وكما يلاحظ المتابعون، يتهم من كان مسؤولاً عن «التراخي» أمام تهديدات حزب الله وتعاظمه العسكري والقتالي، من يحلّ مكانه بالتراخي أيضاً، وعلى الأغلب أن صاحب المنصب الحالي سيوجّه إلى من سيحلّ محله مستقبلاً التهمة نفسها، وعلى ذلك تدور الأيام والمناصب.
الرد على المزايدات السياسية بين المعارضة والموالاة يأتي عادة من المؤسسة الأمنية، صاحبة القرار، أو - بعبارة أدقّ - صاحبة الرأي الوازن في ما يتعلق بقرارات الحرب والسلم. والرد، في العادة، يكون مبطّناً «ليدرك أصحاب الرؤوس الحامية موقع إسرائيل من المعادلات» وقدرتها الفعلية على تحمّل أثمان الحروب في الساحة الشمالية. لسان حال الجيش الإسرائيلي تعبّر عنه تقارير تُنشر بين حين وآخر لـ«إخراس» أولئك «المطالبين بالمواجهات»، وهي ردود اضطرارية ما كانت إسرائيل الرسمية لتقدم عليها لولا تفاعل «المزايدات» وتكاثرها، علماً أن تبعات الردود لا تقلّ سلبية عن الإقرار بالقصور أمام حزب الله.
انطلاقاً من ذلك، ينشر الإعلام العبري، تباعاً، في مواجهة سياق المزايدات، تقديراته عن الأذى الذي سيلحق بإسرائيل جرّاء الحرب في مواجهة الساحة اللبنانية، حيث تعاظم حزب الله نوعاً وكمّاً ومديات ودقّة بما لا يقاس إطلاقاً بما كان عليه عشية حرب عام 2006. ومن بين هذه التقارير، ما نشرته أمس صحيفة «إسرائيل اليوم» نقلاً عن مصادر عسكرية - أمنية:
لفهم السياسات (الامتصاصية) التي تتّبعها إسرائيل في مواجهة «استفزازات» حزب الله وخشيتها من الحرب المقبلة، يجب فهم السيناريو في المجال المدني، والذي حدّدته المؤسسة الأمنية بأنه «خطر - معقول».
فإلى جانب الأضرار المُقدّرة بآلاف الضحايا والدور السكنية، ينصبّ الاهتمام الاستراتيجي للمؤسسة الأمنية على الضرر الذي سيلحق باستمرارية وظيفة الدولة وأداء مهامها: الكهرباء والاتصالات والطاقة والإمدادات الغذائية والخدمات على أنواعها.
ووفقاً لسيناريو «خطر - معقول»، سيسقط على إسرائيل، في الأيام الأولى من الحرب، نحو 6000 صاروخ يومياً، وإن كانت التقديرات تشير إلى أن العدد سينخفض إلى 2000 أو 1500 صاروخ بعد عدة أيام من بدء الحرب.
وتشير التقديرات الأمنية إلى أن حزب الله سينجح في إسقاط نحو 1500 صاروخ فعّال (هجوم صاروخي)، بعد «حسم» الأرقام الفلكية من الصواريخ العشوائية التي ستسقط في أماكن غير مبنية. و«الاعتراضات الناجحة لمنظومة «القبة الحديدية»، مع كل الاحترام لها وللعاملين عليها، ستكون ضئيلة قياساً بما ستحاول اعتراضه، والنتيجة ستكون مغايرة لما اعتدنا عليه في جولات القتال الأخيرة في الجنوب (قطاع غزة)».
وبحسب السيناريو نفسه، سيُقتل جراء المواجهة مع حزب الله حوالي 500 إسرائيلي في عمق إسرائيل، ولا يشمل ذلك القتلى من الجنود الإسرائيليين، في حين سيسقط آلاف الجرحى. وما يقلق المؤسسة الأمنية هو القدرات الدقيقة للوسائل القتالية التي تزداد من حول إسرائيل.
وتشير المصادر الأمنية الإسرائيلية إلى أن الدروس والعبر من الحرب في أوكرانيا، هي فعّالية الطائرات المُسيّرة التي تصنّعها إيران. ووفقاً لسيناريو «خطر - معقول» أيضاً، لا يستبعد أن ينجح حزب الله أو إيران أو وكلاؤهما في ضرب منشآت استراتيجية معروفة وثابتة في إسرائيل، كمحطات الطاقة، بما يتسبب في خروجها عن السيطرة لساعات طويلة وربما لأيام.
وعلى خلفية الأضرار التي ستلحق بالكهرباء، مع الخشية من أن يكون الضرر قاتلاً، ستتعطل الاتصالات بشكل كبير، وكذلك البنية التحتية الخلوية للمستخدمين، وستتضرر بشدة القدرة على التحذير من إطلاق الصواريخ.
وفي قطاع النقل، تلفت المؤسسة الأمنية إلى احتمال تعطّل الموانئ في إسرائيل، مع وقف الرحلات الجوية وإغلاق الطرق الرئيسة. و«إذا امتنع أبناء الأقليات (فلسطينيو عام 1948) عن قيادة الشاحنات، فمن شأن ذلك الإضرار بإمدادات المواد الغذائية، والضرر سيكون في هذه الحالة مأساوياً».
وفقاً لسيناريو «خطر - معقول» سيسقط على إسرائيل في الأيام الأولى من الحرب نحو 6000 صاروخ يومياً


وبحسب التقديرات، فإن حوالي 50% من الإسرائيليين سيتغيّبون عن وظائفهم، وبين 60 و70% سيكونون غائبين في الاقتصاد المُعرّف بـ«الأساسي».
التحدّي الآخر هو عشرات الآلاف من المواطنين الذين سيحاولون إيجاد مأوى في مواقع تحت الأرض (أنفاق الكرمل على سبيل المثال) أو يهاجرون جنوباً هرباً من إطلاق النار. ولا يُستبعد احتمال اندلاع آلاف الحرائق وعشرات الحوادث المادية الخطرة وعدة موجات من الهجمات الإلكترونية.
أما السيناريو الذي يتعلق بالمدنيين في الشمال، والذي يجري تداوله في سياقات فرضيات «تغوّل» حزب الله في إسرائيل، فلم تتحدث عنه المصادر، لكن من المعقول افتراض أسباب الامتناع، خصوصاً ما يتعلق بخطة الحزب لـ«احتلال الجليل»، بما فيها من اختراق لأراضٍ إسرائيلية وخطف وقتل واحتلال مناطق قريبة من الحدود.