هدوء حذر يسيطر على مخيم عين الحلوة بعد جولة اشتباكات عنيفة بين حركة فتح ومسلحين إسلاميين، وهو هدوء معلّق على تنفيذ خريطة الطريق التي اتفقت عليها هيئة العمل الفلسطيني، وتتضمّن وقفاً فورياً لإطلاق النار وتشكيل لجنة تحقيق وتسليم مرتكبي جريمتي قتل أحد عناصر المجموعات الإسلامية وقائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني أبو أشرف العرموشي إلى القضاء اللبناني.قبل الاشتباكات وأثناءها وبعدها، كان هناك الكثير من علامات الاستفهام حول ما حصل، وبدا أن القيادات الفتحاوية الموجودة في لبنان غير قادرة على حسم الأمر بصورة مباشرة، وخصوصاً لناحية تثبيت وقف إطلاق النار، ما استدعى إيفاد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس موفداً إلى بيروت، هو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد الذي أبلغ السلطات اللبنانية التزام الحركة بوقف كامل وشامل لإطلاق النار، كما أعلن عن ضبط الوضع القيادي في الحركة داخل لبنان. وأجرى الأحمد لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، ومع قيادات فتح في لبنان إضافة إلى ممثّلي فصائل منظمة التحرير.
قيادة فتح في لبنان احتجّت على تحميلها مسؤولية ما حصل في عين الحلوة، وردّد قادتها في بيروت أو على هامش لقاء الأمناء العامين للفصائل في القاهرة، أن هناك تأويلاً لأبعاد ونتائج زيارة مدير المخابرات ماجد فرج لبيروت، وأنه ليست هناك علاقة بين الزيارة وما حصل على الأرض. وقالت مصادر فتح إن الأحمد نقل إلى المعنيين في لبنان التأكيد على الحفاظ على الأمن في لبنان كجزء أساسي من الأمن في المخيمات الفلسطينية، وأنه لا توجّه أو قرار بالعبث بالأمن اللبناني انطلاقاً من المخيمات الفلسطينية. وعليه، كانت مقاربة الأحمد لمسألة الأمن في المخيمات مرتبطة بالرؤية الفلسطينية الأوسع المتعلقة بالتنسيق العالي المستوى بين القيادتين في لبنان وفلسطين.
وقدّمت مصادر الحركة روايتها، نافيةً أن يكون الأحمد قد تناول ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، مؤكدة «أن الأمر غير مطروح للتداول على مستوى القيادة الفلسطينية في رام الله، وهدف الجولة كان التأكيد على عدم وجود مشروع تفجيري للوضع الأمني في لبنان بأيد فلسطينية، وتثبيت الهدوء داخل مخيم عين الحلوة وتسليم المتورطين في جريمة اغتيال العرموشي».
في غضون ذلك، واصلت فتح «لملمة نفسها» إثر معركة قاسية خسرت فيها أبرز قادتها العسكريين وعدداً غير قليل من عناصرها. لكن مصادر فتح تعتبر أن ما حصل هو «معركة مصيرية ضد الإرهاب الذي تمثّله جماعات متطرفة كانت تهدف إلى الإمساك بالقرار داخل المخيم الذي يُعتبر عاصمة للشتات الفلسطيني، مع ما يعنيه ذلك على المستويين الأمني والسياسي».
وتقول المصادر القيادية في فتح لـ«الأخبار» إن «العرموشي ورفاقه قضوا في كمين مُحكم، ودلّت كثافة النيران التي استهدفتهم على أن المراد منه كان ارتكاب مجزرة وليس مجرد تصفية، بهدف بث الرعب داخل المخيم وفي نفوس أبناء الأمن الوطني الفلسطيني وحركة فتح، ما وضع الحركة في حالة دفاع عن النفس».
الأحمد نقل إلى المعنيين في لبنان أن لا توجه أو قرار بالعبث بالأمن اللبناني انطلاقاً من المخيمات


رواية فتح الرسمية تركّز على أن هناك مَن يقف خلف المعركة، وأن هدفه «السيطرة على المخيم وعلى القرار داخله وتغيير الخارطة السياسية فيه، خدمةً للمشروع الإسرائيلي الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وشطب حق العودة انطلاقاً من رمزية عين الحلوة كعاصمة للشتات الفلسطيني». وتلفت المصادر إلى «هوية المتشددين وانتمائهم الفكري كامتداد للتنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا والعراق والذين عملوا في الفترة الماضية على تدمير مفهوم الدولة في الأقطار العربية واستبدالها بالإمارات الإسلامية المتشددة».
وعلى قاعدة هذا المنطق، تعتبر فتح، بحسب مصادرها القيادية، أن ما حصل في عين الحلوة «لا يمكن حصره في معركة مع الإرهابيين، بل هو معركة بين كل الفصائل الفلسطينية بمختلف تلاوينها، ومشروع إرهابي، وانتصار هذا المشروع سيترك تداعيات خطيرة على كل الفلسطينيين بمعزل عن رؤاهم وتوجهاتهم طالما أن هدفهم الأعلى خدمة القضية الفلسطينية». وتنظر الحركة «بارتياح إلى القرار الفلسطيني المجمع على إدانة اغتيال العرموشي ورفاقه، ورفع الغطاء عن المرتكبين وتسليمهم للأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية»، تنفيذاً لقرار هيئة العمل الفلسطيني المشترك بإجماع كل القوى بما فيها «عصبة الأنصار» و«الحركة الإسلامية المجاهدة» في اجتماع سابق في السفارة الفلسطينية في بيروت.
وفي هذا السياق تقول المصادر ذاتها إن «ما يهمنا داخل المخيم هو الالتزام بما يصدر عن هيئة العمل الفلسطيني المشترك، بصرف النظر عن الحديث عن وجود أطراف معيّنة تمتلك خطابين أحدهما مُعلَن والآخر مضمر، الأمر الذي ستكشفه تصرفات على الأرض».
وعليه، تشدد مصادر فتح على أن قواتها «ملتزمة بوقف إطلاق النار والعمل على عودة أهالي المخيم إلى منازلهم، تجاوباً مع مساعي القوى والأحزاب والشخصيات اللبنانية». لكن الحركة تتخوف من «عدم التزام الطرف الآخر الذي أثبتت التجربة معه أنه لا يحترم الاتفاقات والالتزامات، وحاول مراراً في السابق تنفيذ عمليات اغتيال واستهداف كوادر الحركة وعناصرها في المخيم». لذا، تؤكد الحركة أنها ستتابع ملف لجنة التحقيق التي شُكّلت لمباشرة عملها للكشف عن المتورطين في عملية الاغتيال وتسليمهم للأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية.