يأسف الشيوعيون في القاعدة الحزبية لعدم إصدار قيادة الحزب بياناً حول أحداث الكحالة، ولا يجدون سبباً لعدم استشعارها خطر الصورة الطائفية والشحن الغرائزي مع أصوات الرصاص، إذ لم يبق لبناني واحد لم يشعر بهذا الخطر ولم يصبه القلق على مصير البلاد.لقد اتخذ «الشيوعيون في القاعدة الحزبية» قراراً بعدم التراشق الإعلامي مع قيادة الحزب، حول المواقف السياسية اليومية، لأنهم ليسوا فريقاً أو تياراً يريد التعبير عن نفسه أو عن خيار مستقل عن الحزب، فقبلوا بتلك المواقف، وسكتوا، رغم ركاكة بعضها وطابعها الإنشائي، وقصور بعضها الآخر عن أدبيات حزبنا. إلا أن حادثة الكحالة، وما كشفته من عمق الاحتقان في النفوس، وما برز حولها من مواقف ودعوات، أملت علينا إصدار موقف نتوجّه به الى اللبنانيين لتنبيههم الى المخاطر التي تحيط بهم، ودعوتهم لمواجهتها، ودعوة الشيوعيين الى القيام بدورهم الوطني في تجنيب البلاد مخاطر الانزلاق الى حروب وصراعات طائفية جديدة.
كشفت حادثة الكحالة مستوى هشاشة البلد الفاقد للمناعة أصلاً، والقائم على برميل بارود بفعل ما راكمته الطبقة السياسية من صراعات وتعبئة وتحريض وسدّ للأفق أمام الحلول للخروج من الأزمات التي يعانيها، وعلى رأسها البنية الطائفية للنظام، إذ كان يكفي لحادث سير أن ينبش كل المخزون المتراكم من الأحقاد والهواجس والغضب وعدم الثقة. وخلال لحظات أطلّ شبح بوسطة عين الرمانة، وكادت الحرب الأهلية تطلّ برأسها من جديد.
لا ينظر الشيوعيون الى حادثة الكحالة بمعزل عن الأحداث المتنقلة وتلاحقها خلال وقت قصير، من القرنة السوداء شمالاً الى عين إبل جنوباً، مروراً بعين الحلوة، ما يطرح علامات استفهام حول سرّ هذه المصادفات المريبة التي تخلق جواً مشحوناً، يضاف الى حالة الانهيار الشامل والمتمادي، ما يجعلنا أمام حقبة متفجرة محفوفة بتفلّت أمني، على وقع استثمار سياسي طائفي عالي النبرة، غير عابئ بالنتائج المترتّبة على ذلك.
يعزّز تلك المخاطر استحضار التحذيرات الخليجية التي دعت رعاياها الى مغادرة لبنان، واستقراء التطورات على الساحة الإقليمية والدولية من التصعيد الإسرائيلي، الى التصعيد الأميركي المستجدّ، بما يشبه هجوماً مضاداً، بدءاً من ممارسة الضغوط لوقف مسار التقارب بين دول الخليج وكل من إيران وسوريا، الى الحشد في البحر الأحمر وضدّ إيران وعلى الحدود السورية - العراقية، حيث يجري الحديث عن سعي أميركي للعمل على خلق كيان يقطع الطريق بين إيران ولبنان، من جهة، ويؤمن التواصل بين الخليج واوروبا عبر تركيا من جهة ثانية. هذا الهجوم المضاد لا يبشّرنا إلا بمزيد من الويلات والحروب والتوترات، والأخطر فيه سعيه الى استخدام الساحة اللبنانية لإلهاء حزب الله، ومعه عودة المراهنات من جديد على الخارج نحو تعديل موازين القوى والاستقواء لتمرير المشاريع السياسية الداخلية.
لقد كشفت حادثة الكحالة أيضاً ما ارتكبناه في الانتخابات النيابية من خطأ في التحالفات، حيث أعطينا أصواتنا للائحة «توحّدنا للتغيير» التي تبيّن أن أعضاءها، ممن فازوا أو لم يفوزوا، لا يقلّون سوءاً عن أركان السلطة في استغلالهم للفرص والاستثمار والتحريض الطائفي واللعب على الغرائز، وصولاً إلى إطلاق النار كسائر الميليشيات ممن شهدناه في حادثة الكحالة، وهذه مناسبة لتقديم الاعتذار أمام اللبنانيين عن هذا الخطأ الذي أساء الى الحزب وسمعته وألحق الأذى بتاريخ الشيوعيين النضالي.
إن وضع الرأس في الرمل كالنعامة، وغضّ النظر عن حادثة الكحالة كأنها لم تكن، هو موقف سياسي، يعبّر عن هروب من المسؤولية في توجيه التحذير من الصراعات الطائفية، والنقد للاستغلال السيئ للحادثة. في حين أن هذا الموقف لم نجده إثر حادثة الطيونة. كما أن عدم إصدار موقف لا يجنّب اللبنانيين، ومنهم الشيوعيون، مخاطر تلك الصراعات الدموية. بل على العكس، وأولى المهام أمام الشيوعيين العمل على خلق رأي عام نابذ للحروب وللصراعات الطائفية، فهي غذاء القوى الطائفية ومشاريعها، بها تقوى ويشتدّ أزرها، بينما الأذى والدمار يلحقان بالبلد ووحدته، وبالقوى الوطنية والديموقراطية، ولا يمكن للشيوعيين أن يكونوا من المتفرجين.