لم يكن أبو عسلي شخصاً غير مرغوب به في المصرف المركزي... صحيح أنه «رجل الثقة» عند الحاكم، لكنّ نفوذه كان يتّسع لقدرته على حمل توقيع الحاكم إلى من يجب أن ينفّذ التعليمات. كان هو من يعدّ القرار، ويكتبه، ثم يحمله إلى الحاكم الذي يثق به فيوقّعه، وبعدها ينتقل أبو عسلي حاملاً السيف البتّار إلى حيث لا يجرؤ أحد على المعارضة. حتى عندما قال مديرون في مصرف لبنان إنهم كانوا يتلقّون التعليمات منه، فهم لم يقولوا الحقيقة كاملة، إذ كان أبو عسلي يحمل إليهم القرار الصادر عن الحاكم، وهم ينفّذونه، وبالتالي، ينفّذون قرار الحاكم وليس قراره هو. حتى عندما سأله المحقّقون عن حقيقة أنه كان يصدر التعليمات، قال إنه والآخرين كانوا ينفّذون تعليمات الحاكم.
لكنّ أبو عسلي الذي نفى علمه بوجود «فوري»كما فعل كل من مرّ على التحقيقات اللبنانية والأوروبية، يبقى في دائرة الشك عند المحقّقين كافة. وثمّة قصة معروفة في ملف «فوري» تتعلق بالعقد الذي وُجد عليه توقيع شخص إنكليزي اسمه كيفن والتر. وبعد عملية بحث وتحرّ طويلة، تبيّن أن لا وجود لهذا الشخص، لا في لبنان ولا في سويسرا ولا في أي مكان، ما جعل البعض يشك في أنه «الاسم الحركي» لأبو عسلي نفسه، وهو ما دفع بالمحقّقين في أوروبا إلى مطابقة الخطوط.
الأمر الآخر، الأكثر تعقيداً، يتعلق بشركة «أوبتيموم» التي أظهرت التقارير المختلفة دوراً كبيراً لها في إدارة عمليات مالية بالاتفاق مع مصرف لبنان. وقال أبو عسلي إنه يعرف الشركة لكن، ليست له علاقة بها. ومع أن المعطيات التي ثبّتتها هيئة الأسواق المالية أشارت إلى وجود اسم زوجة أبو عسلي في ملكيات لشركات ترتبط بالشركة نفسها، أي «أوبتيموم»، فإن الواضح، أن زوجة أبو عسلي كانت تعمل في هذه الشركة. وقال عاملون فيها إن أبو عسلي نفسه، كان يتردّد بصورة دائمة إلى مكاتب الشركة في الأشرفية. وكان على علاقة قوية بإدارتها ورجالها الأبرز، خصوصاً أنطوان سلامة.
أبو عسلي، كانت لديه أنشطة خارج العمل المالي والمصرفي، وكان يمثل مصرف لبنان في رعاية بعض الأنشطة، خصوصاً الرياضية منها. لكنّه بقي الأكثر قرباً من الحاكم السابق، وحافظ أسراره، والتحقيقات التي انطلقت في ملف«أوبتيموم» ستعيد أبو عسلي إلى الواجهة مرات ومرات.