عجّت وسائل الإعلام الدولية والمحلية ببيانات وتصريحات الاستنكار والشجب للجرائم والمجازر التي تمادى العدو بارتكابها في فلسطين ومصر ولبنان وغيرها من الدول العربية، ولا يزال يتمادى بارتكابها اليوم في غزّة المحاصرة. إذ يباشر الكيان الإسرائيلي في تنفيذ فصل من فصول الإبادة الجماعية في غزّة عبر القصف المركّز للمنشآت المدنية والمستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف والطواقم الطبّية بالطائرات والسفن الحربية والمدفعية والدبابات. كما يباشر العدو بفرض حصار كامل على غزّة ويقطع المياه والكهرباء عن أهلها ويمنع أي مساعدة من الوصول إليهم ويهدد المصريين بقصف أي شاحنة مؤن قد يجرؤون على إرسالها إلى إخوتهم في غزّة. أما منظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والهيئات الحقوقية والمحاكم الدولية ونقابات المحامين والجامعات في الدول «الحضارية» فلا يرى معظمها سوى القتلى «المدنيين الإسرائيليين» بينما هم في الحقيقة عسكريون ومستوطنون مسلّحون. ويطالب بعض هذه المنظمات الدولية بفتح تحقيق قضائي دولي بشأن المجازر وينادي بوجوب محاسبة المرتكبين. لكن هذه المطالبات والنداءات تبقى خجولة ومترددة مقابل الدعم الأميركي الأوروبي القوي لـ«إسرائيل» والحماية المطلقة لكل ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي.
العالم الغربي كله يتحرّك اليوم لدعم «إسرائيل» بالمال والسلاح، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. ولا تصدر عن هؤلاء مجرد بيانات استنكار وشجب لما تمكّنت كتائب عزّ الدين القسّام من تحقيقه في المستوطنات الإسرائيلية، بل تتوجّه أكبر حاملة طائرات حربية في العالم (يو إس إس جيرالد فورد) نحو شواطئ فلسطين المحتلة لنصرة الإسرائيليين، ويستعد الاتحاد الأوروبي لإرسال مليارات الدولارات من الدعم العسكري للكيان العبري وتنقل طائرات من كل أنحاء العالم متطوّعين للقتال إلى جانب العدو الإسرائيلي. أضف إلى ذلك، الحملة الإعلامية الضخمة التي أطلقها الأميركيون والأوروبيون للتحريض على قتل الفلسطينيين ولحماية «إسرائيل» من «الإرهاب»، بينما تثبت كل الدلائل الحسّية المباشرة وكل التقارير العلمية الدقيقة أن الإرهاب الحقيقي، بكل ما في ذلك من معنى، يتجسّد في الجرائم الإسرائيلية المتمادية بحق الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين.
ماذا لو تضامن العرب والمسلمين وأصدقاء الشعب الفلسطيني معه بشكل جدّي كما هو حال التضامن الغربي مع العدو الإسرائيلي؟ ماذا لو فتحت مصر والجزائر مثلاً الباب لمئات آلاف الشباب للتطوّع دفاعاً عن فلسطين ومن أجل تحريرها من الاحتلال؟ ماذا لو سُمح لليمنيين والعراقيين مثلاً بالالتحاق في صفوف الفدائيين في غزّة والضفّة والقدس والداخل الفلسطيني؟
ألا يحق للفلسطينيين أن يناصرهم أحد جدياً أو أن هذا الأمر حقّ للإسرائيليين المحتلين دون غيرهم؟
علماً أن بعض الدول الأوروبية تعمل على إصدار قوانين تجرّم كل أشكال التضامن مع «حركة حماس» و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» وتمنع رفع الأعلام الفلسطينية.
تمكّنت حركة المقاومة الإسلامية والمجاهدون في كتائب عزّ الدين القسّام في الأسبوع الماضي من تحرير أجزاء من جنوب فلسطين المحتلة وواجهوا ضبّاط وعناصر جيش العدو والمسلحين التابعين له (الذين يطلق عليهم اسم «المستوطنين»). ولم يتعرّض أي من المجاهدين للمدنيين بالأذى ولم يقتلوا الأطفال والشيوخ كما ادّعت وسائل الإعلام الغربية والأميركية المضلّلة، ولم يغتصبوا النساء ولم يسمّموا مياه الشرب ولم يدمّروا محطات توليد الكهرباء ولم يجرفوا أماكن العبادة ولم يقطعوا أشجار الزيتون ولم يمنعوا العلاج والدواء عن أحد. كل هذه الأفعال تشكل جرائم دولية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يتمادى العدو الإسرائيلي بارتكابها بحق الفلسطينيين منذ أكثر من خمسين عاماً.
ألا يحق للفلسطينيين أن يناصرهم أحد جدياً أو أن هذا الأمر حقّ للإسرائيليين المحتلين دون غيرهم؟


صحيح أن مجاهدي المقاومة الإسلامية اعتقلوا عدداً كبيراً من العسكريين الإسرائيليين ومجنّدين في جيش العدو ومسلّحين رجالاً ونساء، لكنهم أطلقوا سراح الأولاد وأمّهاتهم. ويجري التعامل مع كل من تمكّنت المقاومة من اعتقالهم على أساس أنهم أسرى حرب لا بدّ من إطلاق سراحهم بعد عملية تبادل للأسرى. في المقابل، أعلن العدو الإسرائيلي أنه قطع الماء والكهرباء عن آلاف الأسرى الفلسطينيين الصامدين في المعتقلات الإسرائيلية حيث يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والمسّ بكرامتهم الإنسانية.
العدو الإسرائيلي كان قد بدأ محاولاته بتصفية الفلسطينيين وكل من يناصرهم منذ ما قبل تأسيس الدولة العبرية الغاصبة عام 1948 ظناً أن بإمكانه تثبيت احتلال الأرض وتملّكها وتأسيس دولة فيها بعد التخلّص من أصحابها ومن معهم.
نستذكر في الآتي بعض المجازر التي ارتكبها جيش العدو الإسرائيلي بحق مدنيين فلسطينيين ومصريين ولبنانيين. ولا نستجدي التعاطف أو الشفقة من أحد بل نذكّر بأن كل ردود الفعل اللفظية وكل البيانات وتصريحات الشجب والاستنكار لم تؤدِ إلى تحقيق العدالة لأن العدو الإسرائيلي والدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية التي تقف معه لا يفهمون سوى لغة القوة. فما هي خيارات الشعب الفلسطيني؟



مجزرة خان يونس – فلسطين
3 تشرين الثاني 1956




386 شهيداً
بدأت المجزرة صباح يوم السبت 3 تشرين الثاني عام 1953 بعدما نادى جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر مكبرات الصوت بخروج جميع الشبّان والرجال من سن 16 عاماً وحتى سن الخمسين، ثم اقتادتهم إلى أطراف خان يونس حيث أطلق عليهم جنود العدو النار دفعة واحدة من أسلحة رشاشة.
تواصلت المجزرة حتى الثاني عشر من تشرين الثاني واستهدفت جنوداً أسرى من الجيش المصري الذين كانوا يدافعون عن المدينة. اعترف المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل 200 فلسطيني أثناء هذه المجزرة، بينما أشار المفكر الأميركي نوام تشومسكي إلى أن عدد الشهداء يفوق 275 أضف إليهم 111 شهيداً قتلهم الإسرائيليون بشكل متزامن في مدينة رفح. في 15 كانون الأول 1956، قدّمت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تقريراً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عن «حادثة خان يونس» جاء فيه أن 257 شخصاً أعدموا في يوم واحد. لم تفتح الأمم المتحدة تحقيقاً في «حادثة خان يونس» وأفلت مرتكبي المجزرة من العقاب بينما صدرت عشرات بيانات الشجب والاستنكار.


مجزرة مدرسة بحر البقر – مصر
8 نيسان 1970




46 طفلاً شهيداً
تقع بلدة بحر البقر في جنوب مدينة بور سعيد، وقد استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المدرسة الابتدائية التي تقع في البلدة صباح يوم الأربعاء 8 نيسان 1970، الساعة التاسعة وعشرون دقيقة، وقتلت 46 طفلاً من أصل 130 طالباً كانوا في المدرسة.
ادّعت بعض وسائل الإعلام الغربية أن المجزرة أتت عن طريق الخطأ، بينما أصرّ مندوب العدو الإسرائيلي في الأمم المتحدة أن المدرسة الابتدائية تقع داخل مركز عسكري تابع للجيش المصري.
لم تقرر الأمم المتحدة فتح تحقيق في الأمر رغم معرفتها بمقتل 46 طفلاً بقصف جوّي إسرائيلي.


مجزرة الزرارية – لبنان
11 آذار 1985




40 شهيداً
أغارت الطائرات الحربية للعدو الإسرائيلي يوم الاثنين 11 آذار 1985 على بلدة الزرارية الجنوبية مرتكبة مجزرة قتلت فيها 40 مدنياً. وقال رئيس أركان جيش العدو آنذاك، موشيه ليفي، إن عملية سلاح الجو الإسرائيلي كانت «عملية استباقية»، مدّعياً أن عملية للمقاومة كانت تتحضر في الزرارية. وأطلق جيش العدو الإسرائيلي النار على طواقم الإسعاف التابعة للصليب الأحمر عندما حاولوا الاقتراب من البلدة لإسعاف الجرحى ونقل جثامين الشهداء. كما أطلق جنود الاحتلال النار على الصحافيين لمنعهم من نقل الوقائع. نقلت وسائل الإعلام لاحقاً مشاهد لأشخاص عجز قتلوا دهساً بالدبابات بينما كانوا في سياراتهم. كما عثر على بعض جثث الشهداء في نهر الليطاني بعد أن أعدمهم الإسرائيليون.
قال وزير الاتصالات الإسرائيلي آنذاك، أمنون روبنشتاين، إن ما حصل في الزرارية كان «فشة خلق» (emotional release).
وصدرت يومها العديد من البيانات والتصريحات التي تستنكر وتشجب الإجرام الإسرائيلي..


مجزرة قانا – لبنان
18 نيسان 1996




106 شهداء
استهدفت مدفعية جيش العدو الإسرائيلي يوم الخميس 18 نيسان 1996 مركزاً تابعاً لمنظمة الأمم المتحدة في بلدة قانا الجنوبية لجأ إليه نحو 800 مدني هرباً من القصف. استشهد 106 أشخاص معظمهم من الأطفال والنساء والعجز.
كلفت الأمم المتحدة الجنرال الهولندي فرانكلين فان كابن التحقيق بالأمر. وخلصت التحقيقات إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف مركز الأمم المتحدة بشكل متعمد. رفض العدو نتائج تحقيق الأمم المتحدة واقتصرت ردود الفعل الدولية على المجزرة على بيانات استنكار وشجب من دون أن يحاسب مرتكب المجزرة على أفعاله.


مجزرة حي الزيتون – فلسطين
4 كانون الثاني 2009




48 شهيداً
استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الأحد 4 كانون الثاني 2009 حي الزيتون في غزة المحاصرة وقتل 48 مدنياً فلسطينياً. وتبيّن لاحقاً أن جيش العدو كان يعلم بوجود أطفال ونساء في أحد المنازل المكتظة بالهاربين من القصف وقصفه بشكل مركّز ما أدى إلى وقوع مجزرة. وقبل مغادرة المكان كتب بعض جنود العدو عبارات «الموت للعرب» على بقايا جدران المنازل المدمّرة.
وقد صدرت عشرات بيانات الاستنكار والشجب في وسائل الإعلام.


مجزرة شارع الوحدة – فلسطين
16 أيار 2021




44 شهيداً
قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية المعادية شارع الوحدة المكتظ يوم الأحد 16 أيار 2021 فقتلت 44 شخصاً وجرحت 50. وادّعى جيش العدو لاحقاً أنه كان يستهدف مراكز للمقاومة الإسلامية وأنفاقاً موجودة تحت الأرض، لكن لم يكن هناك أي أثر لذلك. بل تبيّن أن المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية لم تكن دقيقة وأن الإسرائيليين كانوا يعلمون بوجود مدنيين بشكل كثيف في المباني التي دمّرت وفي محيطها. على أي حال، صدرت عشرات بيانات الاستنكار والشجب الدولية وعبّرت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن «ارتفاع وتيرة العنف» في المنطقة.