قبل أن يتبلور التحالف الآتي من خلف البحار، برؤسائه وحاملات طائراته وجنوده الذين كان من المستبعد في الأساس زجّهم في الحرب، لإنقاذ إسرائيل من نفسها قبل أعدائها، قلبت الأخيرة الطاولة حتى على هؤلاء، وفي مقدّمهم الرئيس الأميركي جو بايدن، بالمذبحة الرهيبة التي ارتكبتها في «المستشفى الأهلي المعمداني» في مدينة غزة، وزاد عدد ضحاياها على 500 شهيد، وفق إحصائية أولية لوزارة الصحة في القطاع. وهي حصيلة مرشّحةٌ للتصاعد نظراً إلى العدد الكبير من المرضى والنازحين الذين احتموا بباحة المستشفى، بعد فرارهم من منازلهم المعرّضة للقصف في أماكن أخرى من القطاع، لتُباغتهم غريزة الإجرام الإسرائيلية التي تفوّقت على التخطيط للحرب البرّية المفترضة.فبعد السابعة من مساء أمس، قصف سلاح الجو الإسرائيلي المستشفى من دون سابق إنذار. ومنذ اللحظة الأولى للضربة، كان واضحاً للفرق الطبية ووسائل الإعلام أنها أمام ما يفوق المجزرة، إذ تحدّث المسعفون الذين وصلوا سريعاً إلى المكان عن أنهم لم يجدوا مصابين، بل أشلاء. وكلّما اقتربوا من مكان الضربة، زاد المشهد بشاعة.
وفور شيوع أخبار المذبحة، خرج المئات من الفلسطينيين إلى وسط رام الله للتظاهر ضدّ الرئيس محمود عباس، الذي عاد من الأردن، وأعلن الحداد لثلاثة أيام، وكأنّ مواطنيه في غزة سقطوا في اشتباك بين جماهير في ملعب كرة قدم لا في قصف إسرائيلي. فيما أطلقت قواته النار على المتظاهرين. ووصف عباس استهداف المستشفى بأنه «جريمة حرب بشعة لا يمكن السكوت عنها أو تمر بدون حساب (...) وأي كلام غير وقف هذه الحرب لن نقبل به من أحد».
كذلك عمّت التظاهرات مدناً فلسطينية وعدداً كبيراً من العواصم العربية والإسلامية، من بينها بيروت والقاهرة وبغداد وتونس ونواكشوط والرباط وصنعاء وطهران وإسطنبول، إضافة إلى برلين وجنيف، وعواصم أخرى.
وحاول متظاهرون في عمّان اقتحام السفارة الإسرائيلية، قبل أن تواجههم قوات الأمن الأردني. وفي لبنان الذي أعلن الحداد العام اليوم، عمّت التظاهرات بيروت والضاحية الجنوبية والجنوب والشمال والبقاع. ونُفّذ اعتصام أمام السفارة الأميركية في عوكر حيث احتشد محتجّون غاضبون، وبعدما تمكّن عدد منهم من تجاوز الحواجز والأسلاك الشائكة، عمدت القوى الأمنية إلى استخدام خراطيم المياه وإلقاء القنابل المُسيّلة للدموع، لتفريق المحتجين، فيما اشتعلت النيران في أحد المباني القريبة من المكان، وأفيد عن سقوط جرحى. كما احتشد محتجّون أمام مقر السفير الفرنسي في قصر الصنوبر في بيروت وقذفوه بالحجارة والمفرقعات النارية.
عزّى بايدن بالضحايا الأبرياء من دون أن يذكر مصدر القصف


وفيما دعت روسيا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن قبل ظهر اليوم، بعدما فشل الأخير، أول من أمس، في تبنّي مشروع قرار روسي يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة، جاءت ردود الفعل الغربية على المجزرة أشبه بالعتب على دولة الاحتلال. وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي قدّم «أحرّ التعازي بالأرواح البريئة التي فُقدت في الانفجار في مستشفى في غزة»، من دون أن يأتي على ذكر مصدر القصف. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها تمنح إسرائيل أنظمة أمنية للقضاء على «حماس»، لكن «هذا لا يعني قتل المدنيين الأبرياء»، علماً أن محطة «سي أن أن» ذكرت أن إسرائيل طلبت عشرة مليارات دولار مساعدة طارئة من الولايات المتحدة. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن «لا شيء يمكن أن يبرّر استهداف مدنيين».
وحذّر العاهل الأردني، عبدالله الثاني، من أن «الحرب دخلت مرحلة خطيرة ستجرّ المنطقة إلى كارثة لا تُحمد عقباها»، وقال إن «على المجتمع الدولي وضع حد لسفك الدماء الذي يشكّل استمراره وصمة عار على الإنسانية»، وبعد أقل من ساعتين أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلغاء القمة الرباعية التي كان مقرّراً أن تستضيفها عمان اليوم، وتضمّ زعماء الولايات المتحدة والأردن ومصر ورئيس السلطة الفلسطينية.
أما الاحتلال الإسرائيلي، فقد حاول نسب المجزرة إلى حركة «الجهاد الإسلامي»، مدّعياً أنها نتيجة عملية إطلاق فاشلة للصواريخ أصابت المستشفى.



هنية: المجزرة ستُشكّل نقطة تحوّل
دعا رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، أمس، للخروج في العواصم العربية والإسلامية والنفير والغضب في عواصم العالم أمام السفارات الإسرائيلية، للضغط «على الاحتلال وعلى من أعطاه الضّوء الأخضر لهذه المجازر في غزة». وطالب الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بإدانة صريحة وواضحة للمجزرة. واستنفر هنية الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي أراضي الـ 48 لـ«الانفجار في وجه المحتل، تنديداً بهذه المجزرة الوحشية وبهذه الجرائم» التي حمّل مسؤوليتها لـ«الاحتلال والذين وفّروا له الغطاء في مجلس الأمن ورفضوا إدانة العدوان»، وشدّد على أن المجزرة «ستشكل نقطة تحولٍ إضافي، وطوفاناً يُضاف إلى طوفان الأقصى».