فجر السابع من تشرين الأوّل 2023، كسر الفلسطيني قيدَه وخرج من سجنه ليقتلع قلب سجّانٍ أثخن فيه قتلاً وهدماً وإذلالاً وسَجناً وتهجيراً لأجيال. خرج وكسر هيبة سجّانه للأبد. لم يطُل الوقت حتّى تداعى الغرب كلّه متناسياً ثمانية عقود من القهر والقتل الذي ولّد الطوفان، طالباّ بالثأر للملمة بعض ماء وجهٍ فكانت المذبحة المستمرّة لغاية اليوم التي لا تبدو نهايةً لأفقها في المدى القريب، خصوصاً في غياب أدنى إنجازٍ للعدوّ باستثناء قتل المزيد من الفلسطينيين الآمنين في بيوتهم.بعد يومين من «طوفان الأقصى» أعلنت شركة شيفرون (Chevron) الأميركيّة المشغّلة لحقل تمار في المياه الفلسطينيّة المحتلّة توقّف الإنتاج في الحقل بطلب من وزارة الطاقة في كيان العدوّ. يعود السبب الى الخشية من استهداف منصّة الإنتاج التي يُنقل إليها الغاز المُنتج من آبار تمار بالأنابيب الممتدّة في قعر البحر للمُعالجة، قبل أن تنقله أنابيب أخرى الى محطّة الغاز في أشدود المحتلًة. لم يطل الوقت حتّى ارتفع سعر الغاز في أوروبا بنسبة 25%. ما هي أهمّية حقل تمار والغاز المُنتج من المياه الفلسطينيّة المحتلّة لكيان العدوّ وإمدادات الطاقة الإقليميّة والأوروبيّة؟

(خاص القوس)

هناك ثلاثة حقول مُنتِجة للغاز في كيان العدوّ. يمثّل حقل ليفيثان 44% من إنتاج الغاز في الكيان، يليه حقل تمار (38%) وحقل كاريش (18%). في الوقت الذي يذهب فيه معظم إنتاج ليفيثان للتصدير، يوفّر حقل تمار أكثر من 70% من احتياجات كيان العدوّ من الغاز فلا يُصدّر، بالتالي، أكثر من 5% إلى 8% من إنتاج الحقل. معظم الغازالمستهلك يذهب لتوليد الكهرباء إذ يعتمد كيان العدوّ على الغاز لتوليد ما يزيد على 70% من حاجته إلى الكهرباء.
تضاعف إنتاج الغاز في كيان العدوّ عشر مرّات في السنوات العشر الماضية ليبلغ 775 مليار قدم مكعب سنة 2022 أنتح منها ليفيثان 403 مليار قدم مكعب، وتمار360 مليار قدم مكعب، وكاريش 11 مليار قدم مكعب. وبحسب أرقام وزارة الطاقة في كيان العدوّ، بلغ إجمالي إنتاج الغاز 434 مليار قدم مكعب في النصف الأول من عام 2023، ويتّجه نحو كمّيات قياسيّة حتى أواخر العام الجاري. فقد بلغ إنتاج ليفيثان 198 مليار قدم مكعب في النصف الأول من العام، بينما بلغ إنتاج تمار 173 مليار قدم مكعب وكاريش 63 مليار قدم مكعب خلال المدة نفسها. بلغ الاستهلاك المحلّي 448 مليار قدم مكعب بينما صُدّر 325 مليار قدم مكعب إلى مصر والأردن.


في الوقت الذي يعتمد فيه الأردن على الغاز الذي ينتجه العدوّ لتغطية حاجاتا من الغاز، تُعيد مصر تصدير معظم الغاز المستورد والبالغ حوالي 247 مليار قدم مكعب سنوياً كغاز مُسال.
يطمح كيان العدوّ إلى تعويض 10% من الغاز الروسي الذي كان يُصدّر إلى أوروبا والبالغ 5.47 تربليون قدم مكعب سنوياً. هذا ما يستلزم استثمارات جديدة في قطاع الغاز. في تمّوز 2023، اتخذ القرار الاستثماري النهائي (FID) لمدّ خط أنابيب ثالث في قعر البحر لنقل الغاز من حقل ليفيثان الى منصّة الإنتاج باستثمارات تقدر بـ568 مليون دولار، ما سيسمح بزيادة إمدادات الغاز اليوميّة من الحقل من 1.2 مليار قدم مكعب إلى 1.4 مليار قدم مكعب بحلول عام 2025 وسيرفع بالتالي الطاقة الإنتاجية من حوالي 424 مليار قدم مكعب إلى ما يقرب من 460 مليار قدم مكعب سنوياً. بالتوازي، أًعلِن عن مشروع محطّة تسييل عائمة (FLNG) بكلفة مئة مليون دولار ما يسمح بزيادة الطاقة التصديريّة لدى كيان العدوّ بـ230 مليار قدم مكعب سنويّاً. هذا في ما يتعلق بحقل ليفيثان. وهناك خطط تطوير مماثلة في حقل تمار. فقد اتّخذت شركة شيفرون وشركاؤها قراراً (FID) للمضيّ قدُمًا في المرحلة الأولى من مشروع توسعة حقل تمار بقيمة 673 مليون دولار.
بعد يومين من «طوفان الأقصى» أعلنت شركة شيفرون المشغّلة لحقل تمار توقّف الإنتاج في الحقل بطلب من وزارة الطاقة في كيان العدوّ

تشمل هذه المرحلة إنشاء خط أنابيب ثالث بطول 150 كيلومتراً من حقل تمار الى منصّة الإنتاج، ما سيرفع قدرة الإنتاج إلى 1.2 مليار قدم مكعب يومياً بحلول عام 2025.
ستبطئ الحرب، إذا طالت، مشاريع التوسعة التي تستهدف زيادة التصدير بطبيعة الحال. وقد يؤدي الإيقاف المطوّل للإنتاج من حقل تمار إلى انخفاض صادرات الغاز من كيان العدوّ إلى مصر والأردن، فضلاً عن الضغط على سوق الغاز العالمية المحدودة أساساً بفعل الأزمة الأوكرانيّة. من جهة أخرى، ورغم أن منصة إنتاج حقل ليفيثان تمثّل الجزء الأكبر من إجمالي إمدادات الغاز إلى الأردن، فإن توقّف الإنتاج في حقل تمار قد يجبر كيان العدوّ على تحويل الغاز المتّجه إلى الأردن المنتج من حقل ليفيثان إلى السوق المحلّي في الكيان.
«نحن بلد العسل واللبن والغاز الطبيعي». قالها وزير الطاقة في كيان العدوّ بعد نجاح دورة التراخيص الرابعة في جذب اهتمام أربعة «اتّحادات شركات» (consortia) تشمل تسع شركات، خمس منها جديدة على قطاع الغاز في كيان العدوّ. لكن، قد لا تستمرّ غبطته طويلاً. فالحرب إذا طالت ستؤدّي على المدى القصير، على الأغلب، إلى وقف الإنتاج من حقل ليفيثان ما سيشكّل أزمة كبرى لإمدادات الغاز للاستهلاك داخل الكيان، وسيوقف التصدير تماماً مع ما لذلك من تداعيات على الأسعار. أمّا على المدى البعيد، فالمخاطر لن تشجع الشركات الأجنبيّة على الاستثمار ما سيعطّل خطط زيادة الإنتاج وبالتالي التصدير. كلّ هذا إذا انحصر الأمر بفلسطين. أمّا إذا امتدّت الحرب لتشمل لبنان وما بعد لبنان، فسيأخذ الأمر منحى آخر من السوء لكيان العدوّ من جهة ولإمدادات الطاقة العالميّة من الغاز من جهة ثانية.

* خبير في تطوير حقول النفط والغاز وباحث وأستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت