بما أنّ صراخ الشاشات والمنصات الافتراضية لم يؤتِ ثماره، انتهى «عصف الأفكار» بين ناشطي الـ NGOs «السياديين» إلى التحرّك «على الأرض» وتوقيع عرائض. فتحتَ عنوان «مسلمين ومسيحيين نحمي لبنان بالحياد»، نفّذ هؤلاء تحرّكاً يوم السبت الماضي أمام المتحف الوطني لمنع المقاومة من «جرّ لبنان إلى الحرب»، شارك فيه 15 شخصاً. الهزالة العددية تلك، مردّها إلى انقسام «أهل البيت» الواحد، «المحايدين» مبدئياً. إلا أنّ البربرية الإسرائيلية تجاه أهل غزّة، قسّمت تلك الشريحة، بين مؤيّد ومعارض لفكرة الحياد. وفيما لا يزال جزء منهم عالقاً في زمن الحرب اللبنانية، ويبرر أنّ «الحياد أفضل من الكره المُعلن للفلسطينيين»، هناك من يقف على حافّة التضامن مع غزّة، رافضاً الحياد حيال ما يحصل في القطاع، إنما كذلك يرفض المعركة الدائرة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، بين المقاومة والعدو الإسرائيلي.وكعادة القوى «السيادية»، أقحمت «المسلمين» و«المسيحيين» في عنوان الدعوة، في تكرار ممجوج للكلاسيكيات الفولكلورية من خارج السياق، في محاولة لاستعطاف الجمهور اللبناني من أكثر البوابات الرجعية المُمكن استخدامها، وتأثراً بأدبيات 14 آذار و«ثورة الأرز» التي ينتمي إليها أصحاب الدعوة.
من أبرز المطالب التي رُفعت في التحرّك «البقاء تحت سقف الشرعية الدولية»، وهو خطاب يتبناه هؤلاء غافلين عن أنّ قرارات الشرعية الدولية تسيطر عليها مجموعة دولٍ هي حليفة دائمة لإسرائيل، وهو ما تثبته التطورات الجارية حالياً في غزّة بتغطية من «الشرعية الدولية» نفسها».
وسبقت الدعوة محاولة تحشيدٍ بتوقيع عريضة بعنوان «لبنان ضد الحرب»، روّجت لها منصات إعلامية بعضها مدعوم من «مؤسسة المجتمع المنفتح» التابعة للملياردير الأميركي جورج سوروس، وروّج لها نشطاء يدورون في فلك «القوات اللبنانية»، من دون توضيح لأيّ جهة ستُقدّم العريضة، وكيف ستُقرّش تلك التواقيع للتأثير على مسار الأمور، ما يبقيها في إطار الاستعراض السياسي، ولا سيّما أنّ طرح البعض إرسالها إلى الأمم المتّحدة أو الاتحاد الأوروبي لن يغيّر شيئاً في عدم جدواها، ويثبت من جديد قصور تلك القوى عن إدراك أنّ الجهات الدولية لا تتّخذ قراراتها بناءً على ما يريده الجمهور، ولا بناءً على موازين الحق والباطل.