استبق وزير الاتصالات جوني القرم موافقة مجلس الوزراء على هبة أجهزة الاتصال بالإنترنت الخاصة بـ«ستارلينك»، وأعدّ كتاباً موجّهاً إلى الشركة يحدّد فيه شروط الاتفاق معها. لكن المجلس خذله، جزئياً، في جلسة أمس، فلم يوافق على إدخال أجهزة «ستارلينك» إلى لبنان في إطار خطة الطوارئ، بل قرّر الطلب إلى الوزير إعداد دراسة عن إطار التنظيم التجاري للتعامل مع «ستارلينك».يأتي ذلك، رغم الملاحظات الجوهرية التي أبدتها لجنة الإعلام والاتصال النيابية حول تأثير الخدمة على مداخيل الاتصالات، وتسليم ناصية القطاع لشركة أجنبية يمكنها فتح مجرى الإنترنت وإغلاقه ساعة تشاء، والهاجس الأمني الذي عبّرت عنه صراحة الأجهزة الأمنية التي ترفض السماح للشركة بالعمل في لبنان من دون أذونات مسبقة لأن ذلك سيفقدها القدرة على المراقبة الأمنية.
هكذا، سقطت خطّة الطوارئ من حسابات السلطة السياسية، رغم أنّ الحكومة تلقّت تحذيرات من منظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان تتحدث عن حتمية ضرب السنترالات الرئيسية من قبل العدو الإسرائيلي في حال حصول حرب، وهو ما سيؤدي إلى عزل لبنان عن الشبكة العالمية. غير أن المؤشّرات تدلّ على حسابات أبعد من خطط الطوارئ، وهو ما تؤكّده معلومات «الأخبار» من المفاوضات بين وزارة الاتصالات و«ستارلينك»، إذ إن «المسؤول عن إسقاط بند الهبة، وتحويل النقاش نحو الاستفادة التجارية هو رئيس مجلس إدارة شركة idm مارون شماس»، بحسب مصادر مطلعة على المفاوضات بين وزارة الاتصالات و«ستارلينك». وتشير المصادر إلى أن شماس «حاول سابقاً الحصول على وكالة ستارلينك، لكن الشركة الأمّ تسعى لتأسيس مكتب خاص لها في لبنان، ولا تريد الدخول عبر وكلاء».
إذاً، تتكشف يوماً بعد يوم خفايا المسألة التي أدرجت على جدول أعمال مجلس الوزراء بعنوان «هبة من جمعية غير حكومية لتركيب 150 جهاز إنترنت متصل بسواتل ستارلينك في المرافق الأساسية في الدولة ضمن خطة الطوارئ الحكومية». فالشركة التي تدير مشروع «ستارلينك» لا تخفي رغبتها في الدخول إلى السوق اللبنانية كـ«شركة إنترنت محلية»، وفق المصادر. وتقول إن الشركة «تريد التخلص من القيود الأميركية التي تمنعها من بيع خدماتها لأشخاص عليهم عقوبات. التحوّل إلى شركة محلية لبنانية يعفيها من هذه العقبات». لكن، بمعزل عن مدى دقّة هذا الكلام، الثابت أن دخول «ستارلينك» بوصفها شريكاً في سوق استجرار الإنترنت وتوزيعه للعموم ستكون له عواقب وخيمة على إيرادات وزارة الاتصالات. فالخدمة عبر السواتل، التي تقدمها الشركة الأميركية، قادرة على سحب البساط من تحت أرجل الوزارة، ومقدّمي الخدمات، وموزعي الإنترنت، وحتى الأجهزة الأمنية التي تعتمد على مراقبة الاتصالات للإيقاع بالشبكات الإرهابية وعملاء العدو الإسرائيلي. إلا أنّ ما بدأته وزارة الاتصالات على شكل خطة طوارئ لحفظ اتصال المرافق الأساسية بالإنترنت امتدّ ليصبح منافسةً قادرةً على إخراج شركات الاتصالات من السوق.
صحيح أن فعالية شبكة الإنترنت في لبنان تدنّت بعد الأزمة، بسبب غياب الاستثمار والصيانة بشكل متواصل وفعال، لكن الأكيد أن دخول «ستارلينك» إلى السوق لن يكون مغرياً في حال وجود شبكة إنترنت فاعلة عاملة على ألياف ضوئية. شبكات كهذه، هي أسرع وأرخص من «ستارلينك» التي ستحرم الخزينة من مداخيل أساسية في حال بقاء الشبكة على شكلها الحالي. فـ«ستارلينك موجودة في بلدان كثيرة، لكنّها لا تؤثر على قطاع الاتصالات فيها لعدم قدرتها على التنافس من ناحية السرعة والكلفة، بينما في لبنان الموضوع مغاير كلياً، وقطاع الاتصالات ستتأثر مداخيله بشكل كبير»، بحسب مصادر أوجيرو.


إيقاف حسابات «ستارلينك» المحلية باستثناء 5
حتى الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، لم يكن ممكناً الحصول على خدمة الإنترنت عبر السواتل من خلال قنوات شرعية. كانت السوق متروكة بلا حسيب أو رقيب، حتى بات يمكن لأيٍّ كان استيراد الأجهزة الأساسية من قبرص أو سواها، ثمّ نقلها إلى لبنان في حقيبة سفر بكلفة تصل إلى 2500 دولار بدلاً من 600 دولار. لكن، عندما أثيرت المخاوف الأمنية من موضوع ستارلينك إثر عرض هبة 150 جهازاً تستعمل في إطار خطّة الطوارئ، جرى التواصل مع الشركة لإيقاف كلّ حسابات «ستارلينك»، وفقاً لبريد إلكتروني حصلت عليه «الأخبار» من أحد المشتركين بالخدمة. وفيه، وصفت الشركة الأراضي اللبنانية بـ«الأماكن المحظور عليها العمل فيها إلا بموافقة 4 جهات: وزارة الاتصالات، مخابرات الجيش، الأمن العام وفرع المعلومات». رغم ذلك، اليوم لا يزال هناك 5 حسابات لـ«ستارلينك» تعمل بشكل طبيعي في لبنان، اثنان منها تابعان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، و3: للأجهزة الأمنية، مخابرات الجيش، الأمن العام وفرع المعلومات.