بالنظر إلى صور الدمار الذي لحق بالابنية والبنية التحتية في قطاع غزة بسبب القصف العنيف، يمكن القول إن جولة حرب بطريقة أخرى وبأسلوب مختلف قد بدأت. يستعرض هذا المقال بعض التحديات المتعلقة بإعادة الحياة إلى غزة، كرفع الانقاض والركام، الأعمال الهندسية وإعادة مسح العقارات والاملاك العامة وتخطيط الطرقات والصرف الصحي وشبكة المياه والكهرباء، المشاكل الناتجة عن فقدان الوثائق الرسمية للملكية وصعوبة تأمينها بسبب استشهاد افراد عائلات بأسرها، تأمين مواد البناء وكيفية توزيعها والالية المتبعة، المدة الزمنية اللازمة لتأمين عودة الناس الى ديارهم، الأزمة الاخلاقية والجشع والاستغلال من قبل «اثرياء الحرب» ومنع الاحتكار، وعدم تسويق المواد التالفة وتأمين الرقابة الضرورية لمنع حصول المخالفات والتعديات بسبب حجم جهاز الرقابة والكم الكبير الضاغط عليه. لذلك يبدو ان الجهد الكبير الناتج عن حجم الدمار المقصود والممنهج الواقع على المسؤولين هو بمثابة استكمال للحرب في أكثر من محور، علماً أنه تم إعداد هذا المقال في اليوم الخامس للهدنة المؤقتة. ومن المؤكد أن حجم التحديات قد ازداد مع القصف العنيف والتدمير الممنهج لجنوب القطاع.
المحور الاول: اجتماعي
بعملية حسابية صغيرة، وباعتبار أن عدد سكان قطاع غزة يبلغ نحو مليونين ومئتي ألف شخص، وأن كل وحدة سكنية تؤوي خمسة أشخاص كمعدل وسطي، يكون عدد الوحدات السكنية 2.200.000\5= 440.000 وحدة سكنية.
بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغ عدد الوحدات المهدمة كلياً 46.000 أي بنسبة 10% وتلك المهدمة جزئياً 234.000، أي بنسبة 54 % وتعتبر غير صالحة للسكن بسبب فقدان المواد الاولية لترميمها، ما يعني أن عدد الوحدات المتبقية الصالحة للسكن هي 160.000. بذلك، يكون عدد الاشخاص في الوحدة السكنية 2.200.000\160.000= 14 شخص. ورقم 14 شخص في وحدة سكنية هو عبارة عن قنبلة اجتماعية قريبة وسريعة الانفجار.

المحور الثاني: بيئي
اذا اعتبرنا أن مساحة الوحدة السكنية هي 120 م2 وأن حجم الشقة المهدمة مع الجدران والبلاط والفراغات الناتجة عن تراكم العشوائي الصلب هو: 120*0.60 = 72 م3 وأن عدد الوحدات السكنية المطلوب إزالتها كلياً هو 46000 والحجم الناتج عن الوحدات المهدمة جزئياً بما يعادل 234.000\2= 117.000 وحدة، يكون الحجم الكلي بدون احتساب الأساسات هو (117.000+46.000)*72= 11.736.000 م3. هذا الكم الهائل يتطلب ما يلي:
400 حفارة وجرافة تعمل لمدة 400 يوم كلفتها= 400*400*250= 40.000.000 $
1.000.000 نقلة كميون كلفة النقلة 20$، مجموع الكلفة= 1.000.000* 25= 25.000.000$
أين يجب وضع الردم، لا سيما أن العدو لن يسمح بردم البحر؟ فهل تستخدم الاراضي الزراعية للردم؟ وكم هي المساحة المطلوبة؟
إذا اعتبرنا ان جبل الردم ارتفاعه 15 م وانحدار جوانبه 30%.
لذلك ان مساحة قاعدة الهرم هي 1000*1000= 1.000.000م2.
إذا كان سعر متر الارض الزراعية 50$، تكون كلفة الارض= 1.000.000* 50= 50.000.000$
إذا اعتبرنا انه يجب استعمال 10 جرافات لتسوية الردم طيلة مدة جلب الردم تكون كلفة الجرافات =10*400*250= 1.000.000$
هذا الحساب هو فقط للأبنية المهدمة، فيما هناك أبنية تعتبر مهدمة كليا من الناحية الواقعية لكنها لم تزال واقفة ويجب هدمها بطريقة خاصة واحترافية بكلفة مرتفعة بسبب استعمال معدات خاصة وأيد عاملة احترافية.
إلى ذلك، نستطيع القول ان كلفة إزالة ونقل وتجميع الردم الناتج عن الابنية السكنية فقط، دون احتساب المستشفيات والادارات الحكومية والطرقات والمدارس، تفوق قيمة 120.000.000$ هذا من الناحية الاقتصادية.
من الناحية البيئية ولأن العدو لا يسمح بردم البحر ولا يسمح بوضعها على الحد الفاصل بحيث تصبح ساتراً (دشمة)، فإن المرجح اللجوء إلى اراض ضمن القطاع، اي وسط القطاع، مما يؤثر على البيئة من الناحية الجمالية والصحية لاحتوائه على بقايا جثث متحللة ونفايات بلاستيكية وغيرها من المواد الناتجة عن المستشفيات والمعامل، وسواها.

المحور الثالث: الهندسي الاقتصادي
بما ان الدراسة هي تقديرية بالحد الادنى لإعطاء فكرة تقريبية عن كلفة اعادة بناء ما تهدم كليا وليس جزئيا والمشاكل والصعوبات التي ستواجه المواطنين والمسؤولين مثلا:
«الدراسات» كيفية التعاقد ومع من؟ والصيغة إذا كان أحد المالكين قد استشهد وكيفية اثبات الملكية؟
اذا اعتبرنا ان الوحدات السكنية المهدمة كليا هي عبارة عن ابنية مؤلفة من عشر وحدات، يكون لدينا 46.000\10= 4600 بناية يلزمها رفع الأنقاض، من دون الاخذ في الاعتبار الابنية المهدمة جزئيا:
اعمال مساحة لتحديد حدود العقار كلفة 4.600*300= 1.380.000$
مكاتب دراسات هندسية كلفة 4.600*10.000 =230.000.000$
مكاتب محام لإعادة تكوين ملفات ملكية لكل بناية كلفة 4.600 *2.000 = 9.200.000$
مكاتب عقارية لإصدار سندات الملكية بعد انتهاء البناء لكل بناية كلفة 4.600*3.000= 13.800.000$
بذلك تكون تكاليف الاعمال الهندسية فقط للأبنية المهدمة كليا دون الاخذ نهائيا بالوحدات المهدمة جزئيا تفوق 260.000.000$ إضافة إلى ما ذكر من مشاكل في الدراسات، فان مسألة التعاقد مع شركات ومتعهدي التنفيذ مع او بدون تأمين المواد الاولية ستسبب ايضا مشاكل كبرى بسبب فقدان المواد الاولية خصوصاً إذا منع العدو دخولها او أخّره،، وكذلك من ينظم الكشوفات ويتولى المسؤولية المالية من ناحية القبض والدفع والتدقيق واخذ القرارات لأن قيمة كلفة البناء الواحد كبيرة ولو انها من نوعية البناء الوسط، وهي تبلغ: 120*300*10= 360.000$ للبناء الواحد
ان قيمة تنفيذ 4.600 مبنى هي 360.000*4.600 = 1.656.000.000$
هذا الرقم هو، كما ذكرنا، كلفة بناء 46.000 وحدة سكنية لمتوسطي الحال، ولم نأخذ في الاعتبار ان كلفة بناء الابراج اعلى بنسبة معينة، كما لم نلحظ الحفر العميقة الناتجة عن القنابل الخارقة والزلزالية. وفي هذه الحالات، يجب إضافة كلفة الطوابق السفلية، ولمن ستعود ملكيتها لأنها لم تكون موجودة قبل التدمير؟ ولا يمكن البناء على ردم يفرغ في الحفر.
تفوق قيمة إزالة ونقل وتجميع الردم الناتج عن الابنية السكنية 120.000.000$


أما بالنسبة للأبنية المهدمة جزئيا، فإن الكلفة الدنيا للوحدة السكنية هي 1.000$ فقط لإصلاح الزجاج، و12.000 $ لوحدة سكنية مهدم جزء كبير من جدرانها، ما يجعل معدل الكلفة 6.500$ للوحدة السكنية الواحدة.
وبما ان هناك 234.000 وحدة سكنية مهدمة جزئيا، تكون كلفة ترميمها تقريباً 234.000*6.500= 1.521.000.000$ هذه فقط كلفة رفع الانقاض والدراسات الهندسية وتنفيذ 46.000 وترميم 234.000 وحدة سكنية، دون اضافة الكلفة الخاصة بالأبراج والطوابق السفلية المستحدثة واعادة تأهيل الطرقات والبنية التحتية، وترميم الادارات العامة والمدارس والمستشفيات وتأمين اثاث المنازل وقيمة المصانع المدمرة والسيارات والمعدات الصناعية هي:
رفع الركام والانقاض: 120.000.000، اعمال هندسية وعقارية : 260.000.000، اعادة بناء مهدم: 1.656.000.000، ترميم بناء متضرر: 1.521.000.000، المجموع : 3.557.000.000