افتتحت مؤسسة «كونرد أديناور» مكتباً لها في بيروت عام 2016. المؤسّسة الألمانيّة سمّيت على اسم أول مستشار لألمانيا كانت تربطه علاقات قويّة بالاحتلال الإسرائيلي، وكان يسعى إلى تقوية الرّوابط بين الدّولتين عبر «التّعويض قدر الإمكان عن الظّلم الذي تعرّض له اليهود على يد الألمان». حتى يومنا هذا، لا تزال هذه المؤسّسة مستمرّة على النّهج ذاته في مكاتبها وفروعها كافة حول العالم. ففي لبنان، تركزت برامج المكتب حول منع الصراعات، وهنا لا بدّ من طرح علامة استفهام، إذ للبنان صراع أوحد وذو أولوية وهو الصراع مع العدو الإسرائيلي.في 19 كانون الأول الجاري، نظّمت مؤسسة Smart Center للتدريب على المناظرات تحت شعار «الشّباب يتناظرون لبناء السلام»، حفل تخرّج، في إحدى الجامعات اللبنانية، لدفعة من خريجي برنامج تدريب. وكان لافتاً في الحفل تكرار الإشارة إلى الجهة الدّاعمة الأبرز للمؤسسة وهي «كونراد أديناور - لبنان» التابعة للمؤسّسة الألمانية الأم والتي لا تزال تنشر باستمرار دعمها للاحتلال الإسرائيلي في حربه على المدنيين في غزة.

حيلة «ثقافة السلام»
مؤسسة ألمانية أخرى يطفو دفعها إلى «العيش المشترك» و«السلام» على سطح أهدافها في الشرق الأوسط، وهي مؤسسة «هانز سايدل». ففي مقالة تتحدّث عن تجربته الشخصية، اعترف الصحافي الأميركي غيرشون باسكن أنه أثناء وجوده في «إسرائيل» أنشأ «معهد التربية من أجل التعايش العربي اليهودي»، وأداره بالشراكة مع رئيس الوزراء ووزارة التربية والتعليم، بتمويل أساسي من مؤسسة «هانز سايدل». عند المقارنة بين الشراكة التي قامت بها هذه المؤسّسة وتلك التي قامت بها «كونرد أديناور»، نلاحظ الطابع الثقافي الذي يستهدف الشباب الذين لا يزالون يتابعون دراستهم. كما يبدو واضحاً تعمّد تلك المؤسّسات استخدام مصطلحات «التعايش» و«الصراع»، وهي مفردات مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالمراحل التي مرّت ولا تزال تمرّ بها القضية الفلسطينية.

اليونيسف: تضارب مصالح عائلية
توم دونيلون، هو زوج مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» كاثرين راسل. دونيلون محامٍ أميركي ومدير أبحاث شركة «بلاك روك». في مقال للكاتب مجد كيال في موقع «أوريال 21»، أشار فيه إلى أن «بلاك روك»، أكبر شركة لإدارة الاستثمار، وجهت أكثر من 13 مليار دولار من الاستثمار إلى خزائن أكبر شركات تصنيع الأسلحة في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً تلك التي تهتم بصناعة الأسلحة المحظورة دوليّاً مثل الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية، وهي الأسلحة نفسها التي يستخدمها الاحتلال في الحرب الحالية. الجدير ذكره أن 40% من
الشهداء في غزة هم من الأطفال الذين لم يلتمسوا بعد دور المنظمة المعنية بالطفولة التي ترأسها راسل.

شرط مخيبر البديهي
في المقابل، أعادت استقالة رئيس مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كريغ مخيبر، دور الأمم المتحدة إلى الواجهة في ظل ما تواجهه غزة من عدوان وحشي يشنّه الاحتلال الإسرائيلي عليها. ففي كتاب استقالته، شدّد مخيبر على فشل منظمة الأمم المتحدة في الحد من الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، وعند النظر إلى ذلك الكتاب يلاحظ تحميل مخيبر المنظمة المسؤولية عن عدم التحرك في هذا الملف الذي يتفاقم فيه الإجرام الإسرائيلي كل يوم، وقد اتّضح ذلك عبر كشف رئيس مكتب المفوضية السابق أنه أرسل رسالة تحذير مسبقة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، اشترط فيها مخيبر البقاء في منصبه مقابل تغيير الأمم المتحدة نهجها تجاه ما يحصل في غزة.

الخضوع لواشنطن
عند الحديث عن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لا بدّ من التذكير بخضوعه لضغوط أميركية عام 2022، حين انصاع لأمر واشنطن بعدم تحديث القائمة السوداء للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية، إذ كانت الأمم المتحدة قد نشرت عام 2020 قائمة تضم عشرات الشركات الإسرائيلية التي تمارس أنشطةً في المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بحسب القانون الدولي. ونتيجة إعلان الإدارة الأميركية الحالية في ذلك الوقت عن ممارستها ضغوطاً على الأمم المتحدة، أبلغ تورك المسؤولين الأميركيين أنه قد يقوم بتحديث منخفض المستوى من دون الإعلان عنه رسمياً.

استقالات
تجدر الإشارة إلى أنه سبق أن استقال موظفون بسبب سياسة المنظمة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وفي مدة ولاية أنطونيو غوتيريش أيضاً. ففي عام 2017 استقالت المديرة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، ريما خلف الهنيدي، من منصبها احتجاجاً على قرار سحب المنظمة لتقرير أعدّته اللجنة حول نظام الفصل العنصري في أراضي الاحتلال، وكان قرار سحب ذلك التقرير صادراً عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.
40% من الشهداء في غزة هم من الأطفال الذين لم يلتمسوا بعد دور اليونيسيف


ليس من المفاجئ إقامة منظّمات ومؤسّسات دولية علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي أو حتى تماشيها مع سياسات العدو بشكل سرّيّ أو علني، ولكن الصادم في الأمر تكرار تلك الكيانات المذكورة، رغم دعمها للاحتلال، شعارات تتضامن فيها مع فلسطين وخاصة غزة بعد الحرب، إضافةً إلى تنديدها بجرائم الاحتلال وتعبيرها عن «تخوّفها» مرات وعن «قلقها» مرات أخرى، وما يزيد الأمر سوءاً هو ظهور مئات الأخبار عن تصاريح لمسؤولين في بعض تلك المؤسسات المنظمات عند البحث عن أخبار غزة، تتمحور حول رفضهم للجرائم وتحذيرهم من تفاقمها، وتلك الأخبار تتزايد كل يوم وتستمر بوتيرة تدفع البعض نحو الانسياق خلف تلك الحالة المختلقة من دون معرفة الأهداف من كل ما يقال إعلاميّاً، والذي لا يراد منه إلا أن يبقى في الإطار الإعلامي.



اعتراض طلّابيّ
في خطاب ممثلة المكتب اللبناني من المؤسسة الألمانية في الحفل، اعترض بعض الشباب من اللّجنة الطلّابيّة اللّبنانيّة على مشاركتها في الحفل نظراً إلى توجّهات الفرع الأساسي للمؤسسة الداعم للاحتلال، كما عمد الشبان إلى الهتاف بشعارات مؤيّدة للقضية الفلسطينية قبل أن يتدخّل عناصر أمن الجامعة ما أدى إلى تدافع بين الطرفين.