يواصل الكيان الصهيوني احتجاز معاقبة الموتى واحتجاز تاريخهم المشرف وسيرتهم الذاتية وجثامينهم في إهانة لإنسانية الإنسان في موته، مرتكباً في ذلك انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب. وتفيد وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية أن سلطات الكيان تحتجز أكثر من 370 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب، منها 253 جثماناً محتجزة منذ عام 1967. ويُعتبر حجز الجثامين إجراء انتقامياً من الشهداء الذين قاوموا العدو، ورادعاً لآخرين لمنعهم من مقاومة المحتل، وعقاباً جماعياً لعائلات الشهداء لمفاقمة معاناتهم وأخيراً ورقة مساومة للضغط والابتزاز. ويحيي الشعب الفلسطيني، في 27 آب من كل عام، «اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب». يحمي القانون الدولي الإنساني الأشخاص من أخطر أشكال الانتهاكات مثل انتزاع الأعضاء من شخص حي أو القتل من أجل استخراج أعضائه، ويوفر الحماية للموتى من خلال الحفاظ على كرامة الجسد وحظر تشويه الجثث والمساس بها. وتزداد أهمية هذه الحماية بالنظر إلى واقع استئصال أعضاء السجناء قسراً. لذلك ينص القانون الدولي الإنساني على حماية أجساد الأحياء والأموات على حد سواء ويفرض على أطراف النزاع المسلح اتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية الجرحى والمرضى من سوء المعاملة في كل اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الإضافية.

قواعد حماية الموتى من التشويه والسلب
يجب احترام جثث الموتى وحمايتها أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 وقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
إن نقطة البداية لحماية الموتى من سرقة الأعضاء هي البحث عن الموتى، لذلك تلتزم الأطراف المتنازعة في كل الأوقات، وعلى الأخص بعد الاشتباك في القتال، باتخاذ جميع التدابير الممكنة دون إبطاء للبحث عن جثث الموتى وجمعها وإجلائها دون تمييز مجحف (المادة 3 من اتفاقيات جنيف الأربع والمادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني والقاعدة 113 من دراسة القانون الدولي العرفي الإنساني). ويجوز لأطراف النزاع المسلح مناشدة السكان المدنيين وجمعيات الغوث للبحث عن الموتى والإبلاغ عن أماكنهم، وعليها أن تسعى للوصول إلى اتفاق حول ترتيبات تتيح لفرق أن تبحث عن الموتى وتحدد هوياتهم وتلتقط جثثهم من مناطق القتال، ما يعني أنه في النزاعات الدولية وغير الدولية من غير المقبول إجبار الضحايا على جمع جثث أشخاص آخرين من جماعتهم العرقية نفسها، وقد يُعد ذلك من قبيل التعذيب.
رغم عدم وجود نص صريح، فإن القانون الدولي الإنساني يحمي أجساد الموتى ويحظر نزع أي جزء من الأعضاء من خلال تحريم التمثيل بها (تشويهها) ومنع نهبها بموجب المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف التي توفر الحماية لجسد المُتوفى من خلال حظر الاعتداء على الكرامة الشخصية. وقد تم التطرق إلى هذه الجريمة من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا بالتأكيد على أن إزالة أو بتر أجزاء من شخص متوفى يشكل اعتداء على الكرامة الشخصية ضد الموتى وجريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة.

الدفن والحرق
تُعامل جثث الموتى بطريقة يجب أن تتسم بالاحترام، ولا يُسمح بحرق الجثث لأنه سيحول دون التحقق من هوية المتوفى في المستقبل. ولكن يسمح بحرقها في حالات استثنائية لأسباب صحية قهرية أو لأسباب دينية تستند إلى ديانة المتوفى أو تنفيذاً لوصيته، وعلى السلطات الحاجزة التحقق من أن الموتى يُدفنون باحترام وطبقاً لشعائرهم الدينية. وعلى السلطات الحاجزة أن تتأكد من أن المتوفين من أسرى الحرب الذين يتبعون دولة واحدة يُدفنون في مكان واحد.

المقابر الجماعية
يتحقق أطراف النزاع المسلح الدولي من أن دفن الجثث أو حرقها يجري لكل حالة على حدة بقدر المستطاع ووفقاً للظروف، ويُدفن أسرى الحرب والمعتقلون في مقابر فردية باستثناء الحالات التي تستدعي فيها ظروف قهرية استخدام مقابر جماعية.

استخراج الجثث
في النزاعات المسلحة الدولية، تسمح الإدارة الرسمية لتسجيل المقابر بإجراء عمليات استخراج للرفات في الدولة التي توجد في أراضيها المدافن. ولا يُسمح ذلك إلا إذا كانت الدولة المعنية عقدت اتفاقاً لتسهيل عودة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم، أو كان استخراج الجثث يشكل ضرورة لمقتضيات التحقيق لتحديد هوية الجثث.

الوفاة في أماكن الاحتجاز
في حال وفاة المحتجزين سواء أكانوا أسرى أم معتقلين مدنيين في مكان الاحتجاز، تجري الدولة الحاجزة تحقيقاً رسمياً عاجلاً واتخاذ التدابير القضائية ضد المسؤولين.

تحديد الهوية
على أطراف النزاع أن تسجل البيانات المتاحة المتعلقة بالموتى للتحقق من هوية أصحاب هذه الجثث أو الرفات البشري في وقت لاحق (المواد 16 من اتفاقية جنيف الأولى والمادة 19 من اتفاقية جنيف الثانية والمادة 120 من اتفاقية جنيف الثالثة ). وتحديد هوية الموتى هو التزام بوسيلة يتطلب بذل الأطراف كل ما في وسعها بالوسائل المتاحة. وتُرسل أطراف النزاع المسلح، كلّ منها إلى الآخر شهادات وفاة أو قوائم بأسماء الموتى مصدّقاً عليها رسمياً، تتضمن جميع التفاصيل اللازمة لتحديد هوية المتوفين.
كذلك، تسعى أطراف النزاع المسلح لتسهيل عودة رفات الموتى بناءً على طلب الطرف الذي ينتمون إليه أو بناءً على طلب أقرب الناس إلى المتوفى. وتُعد إعادة جثث الموتى إلى ذويهم هدفاً إنسانياً أساسياً يقر به القانون الدولي الإنساني التعاهدي والعرفي.
كذلك يحظر الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1977 المساس بجسد المحتجزين الأحياء بالنص في المادة 11 على أنه:
يجب ألا يمس أي عمل أو إحجام لا مبرر لهما بالصحة والسلامة البدنية والعقلية للأشخاص الذين هم في قبضة الخصم أو يتم احتجازهم أو اعتقالهم، ويحظر تعريض الأشخاص المشار إليهم في هذه المادة لأي إجراء طبي لا تقتضيه الحالة الصحية للشخص المعني ولا يتفق مع المعايير الطبية المرعية التي قد يطبقها الطرف الذي يقوم بالإجراء على رعاياه المتمتّعين بكامل حريتهم في الظروف الطبية المماثلة.
تُعد إعادة جثث الموتى إلى ذويهم هدفاً إنسانياً أساسياً يقر به القانون الدولي الإنساني التعاهدي والعرفي


ويحظر بصفة خاصة أن يجري لهؤلاء الأشخاص، ولو بموافقتهم، أي مما يلي: عمليات البتر، التجارب الطبية أو العلمية، استئصال الأنسجة أو الأعضاء بغية استزراعها، وذلك إلا حيثما يكون لهذه الأعمال ما يبررها وفقاً للشروط المنصوص عليها في هذه المادة. ولا يجوز الاستثناء من الحظر الوارد إلا في حالة التبرع بالدم لنقله أو التبرع بالأنسجة الجلدية لاستزراعها شريطة أن يتم ذلك بطريقة طوعية وبدون قهر أو غواية. وأن يجري لأغراض علاجية فقط وبشروط تتفق مع المعايير والضوابط الطبية المرعية عادةً وبالصورة التي تكفل صالح كل من المتبرع والمتبرع له. ويُعد انتهاكاً جسيماً لهذا الملحق (البروتوكول) كل عمل عمدي أو إحجام مقصود يمس بدرجة بالغة بالصحة أو بالسلامة البدنية أو العقلية لأي من الأشخاص الذين هم في قبضة طرف غير الطرف الذي ينتمون إليه. ويسعى كل طرف في النزاع، فضلاً عن ذلك، إلى إعداد سجلّ بكل الإجراءات الطبية التي تم اتخاذها بشأن أي شخص احتُجز أو اعتُقل أو حُرم من حريته. ويجب أن توضع هذه السجلّات في جميع الأوقات تحت تصرف الدولة الحامية.
لذلك فالحماية هي مطلقة وبموجب القانون الدولي الإنساني، فإن نزع الأعضاء من الأشخاص المحميين هو محظور تماماً. لذا يُعتبر إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف آخر في النزاع للتشويه البدني أو لأي نوع من أنواع التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية، والتي لا تجري لصالحه وتتسبب في وفاة ذلك الشخص أو في تعريض صحته لخطر شديد، جريمة حرب، وهو ما أكدته أيضاً المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي يدخل في نطاقها حظر تشويه الجثث وتعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو الصحة، التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.