في الدقائق الأخيرة قبل إقرار موازنة عام 2024، أقرّ مجلس النواب قانوناً يقضي بوضع «ضريبة استثنائية نسبتها 10%» على الشركات التي استفادت من الدعم في العامين الماضيين. ولكن، ما إن أقرّت المادة القانونية حتى أصبحت يتيمة، إذ تخلّت عنها معظم الكتل النيابية التي صوتّت عليها، وذلك بعد حملة شعواء شنّتها قوى رأس المال المتمثّلة بالهيئات الاقتصادية وكبار التجّار ولا سيما المحروقات والأغذية وسائر أصحاب العمل مثل أصحاب المطاحن... وكل هؤلاء استفادوا من الدعم بأشكاله المتعدّدة في السنوات الأولى للأزمة. الدعم بشكله المباشر الذي كان يقدّمه مصرف لبنان على السلع المستوردة والذي انتقل من ثلاث سلع إلى 30 سلعة ثم إلى 300 سلعة، أو الدعم بشكله غير المباشر الذي تمثّل في تشريع مصرف لبنان لعمليات المضاربة على الليرة وتحقيق أرباح خيالية من هذا الأمر.تقول مصادر نيابية، إن قانون موازنة 2024 المؤلف من 93 مادة «كل مادة منها بحاجة إلى جلسة نقاش. لكنها نوقشت وأُقرّت في 7 ساعات في الهيئة العامة للمجلس النيابي». وفي النتيجة تضاعفت الرسوم والضرائب على المواطنين بمعدل 46 مرة، إلّا أنه عندما أصبح الأمر يتعلّق بتشريع مادة ضريبية وحيدة تصيب المستوردين وعلى رأسهم كارتيل استيراد المحروقات، وقع الهرج والمرج في المجلس.
تروي المصادر أنّ طلب إضافة هذه المادة ليس جديداً. بل طُرح الأمر في لجنة المال والموازنة، إلا أنّ الخلاف كان على العنوان فقط لا على أصل التشريع، أهي رسم أم ضريبة أم غرامة؟ وقبل الذهاب نحو الهيئة العامة، أشارت المصادر إلى حصول اتفاق على تسميتها بضريبة لأن الغرامات غير قانونية كون الدعم كان مغطّى بتعاميم ونصوص رسمية، فيما الرسوم تستحدث، ولا تفرض بمفعول رجعي. وتضيف المصادر، أنه في الجلسة وعند طلب إضافة التعديل «تعمّد بعض النواب إحداث الفوضى في الدقائق الأخيرة للتشويش على التشريع، فأُقرّت المادة سريعاً، ولكن بالتصويت، فهناك معارضون، إلا أنّها قانونية وسارية المفعول».
أقرّت موازنة عام 2024 المؤلّفة من 93 مادة في 7 ساعات


بموجب الوقائع التي ظهرت في اليومين التاليين على إضراب مستوردي المحروقات والبيانات التصعيدية والتهديدية التي أصدرتها هيئات الاقتصاد وأصحاب المطاحن ومستوردو السلع الغذائية، لم يتبيّن ثبات الكتل النيابية على قرارها المتعلق بهذا التشريع، بل أعرب بعض النواب في مجالسهم الخاصة عن نفاذ الحجج للتهرّب من توقيع القانون المثبت في محاضر مجلس النواب التي فجأة أصيب تفريغها بتباطؤ يكاد يكون مريباً ومقصوداً. وبدأت تظهر تباعاً روايات عن «فوضى تشريعية» سبقت تمرير القانون، ما يتيح التهرّب من اعتبارها أُقرّت في الجلسة العامة في مقابل دعوة مؤيدي هذا الطرح لـ«إعادة التفريغ لتسجيلات مجلس النواب لمعرفة محتوى المادة وتحديد ما إذا كان النصّ المقرّ يتعلق بالموافقة على فرض ضريبة على إيرادات الشركات المستفيدة من الدعم، أو على أرباحها، وكم تبلغ نسبتها، 17% أو 10%».
ومن جهة ثانية، أشارت المصادر لـ«وقوع عدد غير قليل من النواب تحت ضغط التجار والمستوردين، وتحضير عدد من الكتل النيابية طعناً في القانون الضريبي»، متوقعةً «حصول تحايل على الصيغة، ويحتمل تجاوز عدد الموقعين عليه 10 نواب إرضاءً للشركات المعترضة التي تملك نفوذاً كبيراً في أروقة المجلس».
في المقابل، وفي ظل غياب تام للنقابات العمالية، والاتحاد العمالي العام، وروابط موظفي القطاع العام، انتقم التجار والمستوردون من فرض المجلس النيابي لضريبة على أرباحهم بالشعب اللبناني. في اليومين الماضيين كشفت الهيئات الاقتصادية، ونقابات استيراد المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، وحتى المطاحن عن وجهها الحقيقي وأخرجت ما في جعبتها من مفردات المجاعة، والتشريد، والإفلاس في سياق التهديدات التي أطلقتها من أجل إلغاء الضريبة المقترحة «وربما تحريم التفكير في الأمر مرة أخرى» يقول أحد النواب. وما حصل منذ إقرار الموازنة حتى اليوم، هو أنّ التجار والمستوردين والشركات المتحكّمة بالسوق اللبنانية، لم يتركوا وسيلة إلا واستخدموها للترهيب.