أيضاً، الأمر نفسه حصل في 28 نهاية كانون الأول 2023، حين صدر التعميم 685 الذي يمنح المصارف فرصة لإعادة تقييم كامل موجوداتها العقارية وتسجيل 75% من الفوارق بين القيم السابقة والقيم الحالية، ضمن الأموال الخاصّة الأساسية.
هديّتان قيّمتان بالمجان، حصلت عليهما المصارف. فهي التي كانت تعاني من عجز في الالتزامات المترتّبة على رساميلها بقيمة تفوق 8 مليارات دولار، انقلب العجز إلى صفر أو فائض لدى بعض المصارف، ولم يبق في العجز إلا عدد قليل من المصارف. وبمعزل عن الشروط التقنية لكل من التعميمين وآليات الاحتساب والتطبيق التي لا ترتبط بتوزيع الخسائر بمقدار ما ترتبط بالملاءة المالية، إلا أن الأمر يهدف بشكل أساسي إلى الحفاظ على استمرارية المصارف بشكلها الحالي، أي «زومبي». وهذا الأمر ناتج من كون منصوري وفريق عمله في المجلس المركزي، يردّدان دائماً أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى جانب عدم التدخّل في القطاع المصرفي الذي يجب أن تعمل الحكومة على إيجاد علاج له. وبالتالي، فإن إطالة عمر المصارف وعدم إحالة أيّ منها إلى الهيئة المصرفية العليا لمخالفتها معايير الملاءة والسيولة وزيادات رأس المال المطلوبة منها فضلاً عن تهريب الأموال إلى الخارج، كل ذلك هو الأمر الذي لا يريد منصوري وفريق عمله بالتعاون والتنسيق مع رئيسة لجنة الرقابة على المصارف ميا الدبّاغ، مقاربته بأي شكل من الأشكال.
لا يمكن الحسم بأن تخمينات المصارف تنطوي على الدقّة وأنها تعكس بالفعل قيمة العقارات السوقية
فالمصارف التي كانت قد باعت للزبائن، دولارات لا تملكها، سجّلت وضعيات سلبية على رساميلها بقيم تفوق 8 مليارات دولار، وهو أمر كان يُحتسب ضمن الخسائر المترتّبة عليها. وبدلاً من إجبارها على معالجة أوضاعها عبر تطبيق التعاميم المتعلقة بزيادات رأس المال وتأمين السيولة الخارجية، قرّر مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف اللجوء إلى ألاعيب محاسبية استنسابية. في أيام رياض سلامة، قرّر رياض أن يتيح للمصارف تسجيل 50% من فروقات تقييم العقارات في حساب رأس المال، ثم أتى منصوري ليتيح لها تسجيل 75% من فروقات التقييم في رأس المال. لا أحد لديه فكرة كيف أتت الـ50% أو الـ75%، إذ إن المعايير المحاسبية الدولية تفرض تسجيل 100% من الفروقات في بند خاص في حساب رأس المال، بحيث لا تكون هذه الأرباح خاضعة للضريبة، إلا أنه لا يوجد أي معيار يتحدّث عن أنه يُمكن أن تُسجّل نسبة من الأرباح وليس الأرباح كلّها. فالسؤال هو، أين تُسجّل الـ 25% الباقية؟
واللافت، بحسب مصادر مصرفية مطّلعة، أنه لا يمكن الحسم بأن تخمينات المصارف تنطوي على الدقّة وأنها تعكس بالفعل قيمة العقارات السوقية. في لجنة الرقابة يقولون إنهم سيعتمدون تخميناتهم حصراً، لكنّ المصدر يقول إنه لم يسمع بأن اللجنة أرسلت إلى أي مصرف لجنة تخمين. وعلى أي حال، يقول المصدر، إنه لا يمكن استعمال هذه العقارات بهذه الطريقة، إذ إن العقارات تمثّل جزءاً من موجودات المصارف التي ستطاولها الخسائر، وبالتالي يجب توزيع الخسائر قبل اتخاذ أي قرار في إجراء تسويات محاسبية ترقيعية كالتي تحدث والتي أدّت إلى شطب 8 مليارات دولار من الخسائر المتراكمة في الميزانيات. فالأجدر بلجنة الرقابة على المصارف وبمصرف لبنان أن يعملا على تطبيق المعيار المحاسبي «IFRS 9» لأن لا أحد يصدّق أن توظيفات المصارف بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان موجودة وأنها تخضع فقط لمؤونات بنسبة 1.89%.