في الوقت الذي يهتم فيه صندوق النقد بمؤشرات الاقتصاد الكلّي والحسابات الخارجية للاقتصادات، التي يفرض فيها برامجه، تُظهر نتائج أداء عدد من الدول، أن هذه الأهداف لم تتحقّق. في الظاهر يستهدف الصندوق مؤشرات محورية مثل الحساب الجاري الذي يتضمّن صافي الأموال الداخلة إلى الاقتصاد من صادرات وواردات وتحويلات جارية، وميزان المدفوعات ومستويات الديون المستدامة وغيرها. وغالبية الوصفات المشتركة، للبلدان التي تخضع لبرامج الصندوق، تحمل إجراءات تهدف إلى «إجبار» الاقتصاد على تعديل الأرقام الواردة في تلك الأبواب. فعلى سبيل المثال، شرط تعويم سعر الصرف يهدف بشكل أساسي إلى خفض الاستهلاك الإضافي الناتج عن سعر الصرف المُضخّم (للعملة المحليّة)، بهذه الطريقة يتقلّص الاستيراد وينخفض العجز في الحساب الجاري، وبالتالي في ميزان المدفوعات، أقلّه نظرياً. إلا أن الواقع يختلف عن ذلك، فغالبية الحالات المسجلة تُظهر أن العجز في الحساب الجاري يشهد تحسّناً مرحلياً مع تطبيق هذا الشرط، تحت صدمة تعويم سعر الصرف، لكنه يعود إلى التدهور لاحقاً.المشكلة هي أن الإجراءات التي يفرضها الصندوق تعالج الأعراض الاقتصادية، وليس المشكلة. فمصدر العجز المزمن في الميزان التجاري، سببه الاعتماد على الاستيراد وضعف التصدير. المشكلة هنا تكمن في هيكل الاقتصاد، وعدم وجود بنى تحتية لقطاعات إنتاجية… علاجات الصندوق بعيدة عن استهداف هذه المشكلات البنيوية، لذا تعود غالبية الأعراض إلى الظهور سريعاً، ومعها تندفع الدول نحو أحضان الصندوق للحصول على برامج إنقاذ مجدّداً، وهو ما يُدخل البلدان في دورات دين متوالية.
يظهر هذا الأمر في أداء الصندوق، في بلدان عدّة حيث سنعرض المؤشّرات التي يستهدفها الصندوق في مصر وتونس وسريلانكا والأرجنتين، وهي عينة صغيرة من عدد كبير من البلدان التي خضعت لتطبيق برامج صندوق النقد الدولي ولم تتحسن أوضاعها التي من أجلها لجأت إلى الصندوق، فأدمنت العودة إليه طلباً لقروض جديدة.

مصر: الدين الخارجي يزداد
لجأ البلد الأفريقي إلى صندوق النقد 11 مرة منذ عام 1962، آخرها كان في مطلع 2024. وكانت الحكومة المصرية وقّعت اتفاقاً في عام 2022 وقبلها في عام 2016 بعدما عانت من مشكلات اقتصادية متراكمة، وخصوصاً منذ الثورة في عام 2011. إلا أن المؤشرات الاقتصادية المصرية لم تتحسّن عمّا قبل اتفاق 2016، ولذلك اضطرت الحكومة المصرية للعودة إلى الصندوق مجدداً. فمثلاً في عام 2016 كانت قيمة خدمة الدين الخارجي نحو 6.6 مليارات دولار في حين بلغت نحو 19 مليار دولار في عام 2021. أما حجم الدين الخارجي فارتفع من 69 مليار دولار عام 2016 إلى 143 مليار دولار في عام 2021. في حين لم يشهد العجز في الحساب الجاري تحسناً كبيراً، إذ بلغ نحو 18.6 مليار دولار في عام 2021 بعدما كان 20.5 مليار دولار في عام 2016.
يتحسّن عجز الحساب الجاري مرحلياً لكنه يعود إلى التدهور لاحقاً


تونس: الوضع أكثر سوءاً
بلغ عدد اتفاقات تونس مع صندوق النقد 11 اتفاقاً منذ عام 1964، آخرها كان عام 2013 عندما لجأت الحكومة التونسية حينها إليه لمواجهة الأزمة التي لحقت بها بعد اندلاع الثورة التونسية عام 2011. لم تتحسّن الأوضاع الاقتصادية في تونس بشكل كامل، وازداد وضع الاقتصاد التونسي سوءاً في السنوات الأخيرة، ما دفع الحكومة إلى الدخول في مفاوضات جديدة مع الصندوق انتهت برفض الحكومة التونسية برنامجه في بداية العام الجاري. ولم تُفلح الإجراءات التي فرضها صندوق النقد في عام 2013 في تحسين المؤشرات الاقتصادية، فقد انخفض حجم العجز في الحساب الجاري من 4 مليارات في عام 2013 إلى 2.8 مليار في عام 2021، في حين لم ينخفض العجز التجاري إذ بقي قريباً من 5 مليارات دولار. في حين ارتفعت خدمة الدين الخارجي من 2.5 مليار دولار إلى 4.3 مليارات في الفترة نفسها، وارتفع الدين الخارجي من 25.7 ملياراً إلى 41.6 مليار دولار.

باكستان: 23 اتفاقاً مع الصندوق
لجأت باكستان إلى صندوق النقد 23 مرة منذ عام 1950، وقد كان آخر هذه الاتفاقات في شهر حزيران الماضي. قبل ذلك اتفق البلد الآسيوي مع الصندوق في عام 2013، ولم تشهد مشكلاته الاقتصادية حلاً جذرياً منذ ذلك الوقت، والدليل على ذلك هو تدهور مؤشراته واضطراره للعودة إلى الصندوق مجدداً. ارتفع عجز الحساب الجاري الباكستاني من نحو 4 مليارات دولار في عام 2013 إلى نحو 12 مليار دولار في عام 2022، وقد أسهم في هذا الأمر الارتفاع في عجز الميزان التجاري الذي ارتفع من 16 مليار دولار إلى 43 مليار دولار في الفترة نفسها. أما حجم الدين الخارجي فارتفع في هذه الفترة من 60 مليار دولار إلى 130 ملياراً.

غانا: 20 ملياراً الدين الخارجي
منذ عام 1958 عقدت غانا 18 اتفاقاً مع صندوق النقد، كان آخرها في عام 2022. في عام 2015 كانت الحكومة الغانية قد عقدت آخر اتفاق مع الصندوق، إلا أن هذا الاتفاق، مع شروطه التي شملت وقف زيادات الأجور في القطاع العام، وإنهاء دعم المحروقات. تدهور الوضع الغاني منذ ذلك الوقت، إذ لم يتحسّن وضع العجز في الحساب الجاري بشكل كبير، حيث بلغ 2.5 مليار دولار في عام 2021 بعد أن كان 2.8 مليار دولار في عام 2015. في المقابل ارتفع حجم الدين الخارجي من 20 مليار دولار في عام 2015 إلى 36 ملياراً في عام 2021، في حين ارتفعت قيمة خدمة الدين الخارجي في الفترة نفسها من مليار دولار إلى 3.2 مليارات دولار.