في 22 شباط الماضي، نُشرت في الجريدة الرسمية اتفاقية أبرمتها الحكومة اللبنانية، في 12 كانون الثاني 2024، مع حكومة الولايات المتحدة حلّت مكان اتفاق موقّع بين الطرفين عام 1994، وهي عبارة عن وضع إطار جديد يحكم تلقّي لبنان للمساعدات الأميركية، ويلزمه بأحكام إضافية عن تلك التي لحظها اتفاق 1994، مقابل حصوله على مواد دفاعية وتدريبات ذات صلة وخدمات دفاعية أخرى على شكل منح.وكان مجلس الوزراء وافق في 20 أيار 2022، بناءً على اقتراح وزير الدفاع موريس سليم على الاتفاقية، بشأن المساعدة المقدّمة من الولايات المتحدة للبنان على أساس منحة، «بموجب قانون المساعدات الخارجية لعام 1961 أو التشريعات اللاحقة، وقانون الرقابة على تصدير الأسلحة بصيغته المعدّلة، والقسم 333 من قانون الولايات المتحدة الرقم 10، والصلاحيات الأخرى لوزارة الدفاع الأميركية».
وتنص الاتفاقية على أنّ «لبنان، ما لم يحصل على موافقة خطية من الحكومة الأميركية، يُمنع عليه: السماح لأي شخص ليس ضابطاً أو موظفاً أو وكيلاً عن الحكومة اللبنانية باستخدام المواد والخدمات المقدّمة (أسلحة وذخائر... غير محددة)». ويحظر نقل حيازة هذه المساعدات من خلال الإهداء أو البيع، كما يُحظر على لبنان استخدامها لأغراض غير تلك المقدّمة من أجلها. وينبغي في حال أراد بيع هذه المساعدات لاحقاً على شكل خُردة، الاستحصال على موافقة خطية من الحكومة الأميركية ودفع حصيلة البيع لها. وتجيز الاتفاقية للأميركيين القيام بجولات مراقبة وتفتيش مستمرة وجرد مادي للمساعدات، والحصول على ما يريدون من معلومات ساعة يطلبونها حول المساعدات وطريقة استخدامها. وتستطيع الولايات المتحدة، متى تشاء، أن تجعل عملية توفير المساعدات المقدّمة بموجب سلطات أخرى خاضعة لشروط وأحكام هذه الاتفاقية. وفيما يجوز إنهاء الاتفاقية من قبل أيّ من الطرفين، عبر إشعار خطي يرسله الراغب بفسخها ضمن مهلة 90 يوماً، تبقى المساعدات المقدّمة بموجبها قبل تاريخ إنهائها خاضعة لشروط الاتفاقية.
وتبيّن أنّ الحكومة اللبنانية، بناء لاقتراح وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، أبرمت اتفاقية أخرى مع الولايات المتحدة، في 5 أيار 2022، بخصوص المساعدات الأمنية والوحدات غير المؤهلة بموجب «قانون ليهي»، اتفقت بموجبها الحكومتان على أنّه، ما لم يتم الحصول على الموافقة الأميركية أولاً، لا تقدّم الحكومة اللبنانية أيّ مساعدة مقدّمة من أميركا إلى أي وحدة من وحدات قوات الأمن اللبنانية التي تحدد الولايات المتحدة أنّه محظور عليها تلقّي هذه المساعدات، بموجب هذا القانون.
يخضع التقدير الأميركي لمنح المساعدات في جزء منه لتقارير وسائل الإعلام ومنظّمات الـ NGOs


ويتيح «قانون ليهي» للولايات المتحدة قطع مساعداتها عن وحدة أو وحدات عسكرية معيّنة في دولة ما، إذا توفّرت لوزير الخارجية الأميركي معلومات بأنّ هذه الوحدة انتهكت حقوق الإنسان. وعليه، يحقّ للولايات المتحدة فحص الوحدة العسكرية التي وقع عليها الاختيار لتلقّي المساعدة (الجيش اللبناني في حالة لبنان)، وتقود السفارة الأميركية في البلد المعني عملية تقديم المعلومات إلى وزارة الخارجية التي يمكنها أيضاً تجميع معلوماتها من تقارير الـ«NGOS» ووسائل الإعلام. وتندرج تحت شعار انتهاك حقوق الإنسان ممارسات كالتعذيب، قمع التظاهرات، الاعتقال السياسي، تقييد حرية التعبير، الإخفاء القسري...
ويكشف تطبيق هذا قانون عن النفاق الأميركي، إذ أن معظم الدول التي تدعمها واشنطن بالسلاح لا تعتبر دولاً ديمقراطية، وبعضها يغالي في البطش وفي انتهاك حقوق الانسان وصولاً الى ارتكاب إبادة جماعية من دون أن يؤثر ذلك على تزويدها بالسلاح كما هي الحال مع إسرائيل في العدوان الذي تشنه على قطاع غزة منذ خمسة أشهر.
الاتفاقيتان تتمحوران حول كل ما يتعلّق بوجهة استخدام السلاح، وحق الجانب الأميركي بالمراقبة، والتحذير من تسرّب السلاح إلى جهات غير رسمية. وتلفت مصادر قانونية مطّلعة إلى أنّ «الاتفاقيتين تنطويان على شيء من التهديد الضمني، ونقلتا تلقّي لبنان للمساعدات العسكرية والأمنية الأميركية من إطار إلى آخر أشد صرامة، ستترتب عليه تبعات. وفي الوقت نفسه خطورته أنه فضفاض وعام لا يتعلق بمساعدات بعينها تم قبولها بمرسوم هبات، إنما يمكن تطبيقه على أي مساعدة سيتلقّاها لبنان. فقد بات ممكناً للأميركيين، وبشكل مقونن، ليّ عنق الحكومة اللبنانية وابتزازها بقطع المساعدات إنّ قرروا أنّها خرقت قانون «ليهي»، بمعزلٍ عن حقيقة الأمر، مقابل إخضاع السلطات اللبنانية لمجموعة طلبات وشروط تتعلق بالحريات العامة، وهي شؤون داخلية صرف، كإطلاق سراح معتقلين أو غيره». كما تستطيع الولايات المتحدة في أي لحظة، الادّعاء بأنّ سلاحها استُخدم في لبنان لانتهاك حقوق مواطنين أو استفادت منه جهات غير رسمية (المقاومة مثلاً) لزيادة الضغط على المؤسسة العسكرية انطلاقاً من أنّ الجيش هو الجهة الرئيسية المستفيدة من المساعدات الأميركية.
ويحيل ذلك، إلى تحريض بعض أعضاء في الكونغرس أخيراً على الجيش اللبناني، مطالبين بوقف تمويله لعدم اتخاذه أي إجراءات ضد حزب الله، وكذلك، إلى ضغوطات مارستها الإدارة الأميركية سابقاً على قيادة المؤسسة العسكرية، بذريعة أن عناصر من حزب الله يتغلغلون في الجيش، مطالبة باستبعاد بعض العناصر من تشكيلات معينة مدّعية بأنّهم مقرّبون من الحزب.
كذلك توقفت مصادر قانونية، عند عبارات «التشريعات اللاحقة» و«الصيغة المعدّلة» و«الخدمات الدفاعية الأخرى» الواردة في الاتفاقية، مشيرة إلى أنها «تلزم لبنان بالقبول بأي تشريعات ستطرأ على القوانين الأميركية المذكورة في الاتفاقية». وفيما استند مجلس الوزراء في إبرام الاتفاقيتين على المادتين 52 و65 من الدستور، وعلى رأي هيئة الاستشارات والتشريع الذي لم يرد فيه ضرورة إحالتهما الى مجلس النواب لابرامها. تؤكد أوساط متابعة أن «المادة 52 تنص على أنّ المعاهدات التي لا يمكن فسخها سنة فسنة لا تبرم الا بعد عرضها على البرلمان»، مشيرة إلى أن «اتفاقيات مشابهة حصلت في عهود سابقة وأرسلت الى مجلس النواب لإبرامها».