هدى رزق *
لم يكن الموقف السياسي للأزهر في مصر من الصحافة المصرية مفاجئاً، فلطالما عبّر الأزهر عن سياسة الحكم في مصر منذ جرى إخضاعه لمنطق الحاكم في عام 1805. ففقدان الأزهر في مصر لدوره الممانع والمصلح على الصعيد السياسي كان من أسباب نشأة تيار الإخوان المسلمين عام 1928 الذين رأوا في تقاعسه عن أداء الدور المطلوب منه تقصيراً، بعدما أمعن الحكّام في مصر عبر التاريخ في استتباعه، ولا سيما عندما وعى محمد علي باشا أهمية الدور الذي أدّاه الأزهر لمصلحته ودوره في صدّ حملة نابليون على مصر، فحاول تحييده عن أداء أي دور سياسي مستقلّ، فلوّح للعلماء بالمناصب وأدخلهم والمؤسّسة في مرحلة جديدة تميّزت بفقدان الاستقلال الذاتي، حيث انحسر دور العلماء في التعبئة لتجميع التأييد لسياسات الحاكم.
أما القوانين التي صدرت حتى عام 1936، فلقد صدرت لتقيّد وتكبّل جزءاً من استقلال الأزهر المالي والنظامي والسياسي. وفي فترة الاحتلال البريطاني، تعرّض العلماء للإضعاف من قبل حكّامهم المصريّين قبل أن يستضعفهم البريطانيّون، بعدما انقسموا تجاه الحاكم والسلطة.
نحت ثورة يوليو 1952 نحو العلمانية وقامت بجذب تأييد معظم الجماهير عبر إظهار الوجه الإسلامي لها، وذلك بارتياد عبد الناصر والضبّاط الأحرار جامع الأزهر والمساجد الكبرى في العاصمة لتأدية صلاة الجمعة، فضلاً عن زيادة موازنة الأزهر وزيادة البعثات والإجازات الدراسية لمحاولة إيجاد مبرّرات شرعية تستند إلى القرآن والحديث والتقاليد الإسلامية للترويج لسياسة النظام. وبذلك اعتُبِر المسجد واجهة للنشاط السياسي المهم، ولم يعد يوجد أي مسجد في مصر يؤدّي وظائفه الرسمية بعيداً من علاقته بالدولة.
وجاءت إعادة تنظيم جامع الأزهر عام 1961 لتربطه مباشرة برئاسة الجمهورية جاعلةً برامجه مرتبطة بالجوانب السياسية العامة للدولة، وهو الأمر الذي جعل علماء الأزهر موظّفين في الدولة يسري عليهم ما يسري على موظّفي الدولة من ناحية المرتّبات والتعيين، ولم يأتِ التهديد للثورة من الأزهر، بل من الإخوان المسلمين، وكان السبيل لمواجهة الإخوان هو في تقوية الأزهر.
تقلّب الرئيس السادات في علاقته بالدين، لكن أهم السمات العامة لرؤية السادات لدور الأزهر وعلماء الدين تلخّصت بما يلي:
ــــــ استخدام الدين لإضفاء الشرعية على النظام في الداخل والخارج، وخصوصاً في مجال المواجهة مع إسرائيل عام 1973.
ـــــــ شنّ الهجوم على الشيوعيّين عبر الأزهر بالاعتماد على فتوى الشيخ عبد الحليم محمود. وعند زيارته للقدس في تشرين الثاني 1977، وما تلاها من إبرام معاهدة السلام عام 1979، أصدر الأزهر بياناً أوضح فيه اتفاق المعاهدة مع تعاليم الإسلام في القرآن والسنّة، متمثلاً بصلح الحديبيّة الذي عقده الرسول مع مكّة وظلّ محترماً له حتى أخلّ اليهود به.
أما التعديلات التي طرأت على قانون إعادة تنظيم الأزهر، فهي تتشابه مع تلك التي قام بها الرئيس عبد الناصر، إذ استخدم وجود الأزهر عام 1979 لمواجهة تعليق عضوية مصر في منظّمة الدول الإسلامية، ولجأ إليه ليوقف هذا الإجراء موضحاً أنّ مصر بلد الأزهر الذي دافع عن الإسلام وحماه ممّن يريدون استغلاله.
حتّى في المسائل الاقتصادية، استُخدم الدين والأزهر في عهد عبد الناصر لتبرير التحوّل إلى الاشتراكية والتأميم، وحاول السادات تبرير الانفتاح. إنه الأسلوب نفسه الذي استعمله الملك فاروق عندما استغل عدداً من علماء الدين لإعطاء تبريرات للهجوم على الإخوان.
لم يشذّ نظام حسني مبارك عن القاعدة في موضوع استعمال الأزهر، ولكن أن يصل إلى حدّ استخدام الجلد وإيكال هذه المسؤولية إلى الأزهر وتحميله دور القمع الجسدي، فهو تبرير لدور الاستخبارات لا في قمع حرية الرأي وحسب، بل في انتهاك الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان. ربما سيهزأ النظام من طرح كهذا، فالأمثولة التي أعطتها الإدارة الأميركيّة في سعيها لتطويع العراقيّين وقمعهم في سجن أبو غريب، جعلت من الجلد مسألة طبيعية، فأسقطت المحرّمات وسخرت من حقوق الإنسان التي ادّعت يوماً حمايته.
* أستاذة في الجامعة اللبنانيّة