وليد رعد *
هو عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية العربية السورية السابق ووزير الخارجية السابق والمحافظ السابق والبعثي السابق والمعارض الحالي منذ انشقاقه العلني بعد ظهوره على شاشة «العربية» في الثلاثين من كانون الاول الماضي ومن ثم إكثاره من التصاريح المتلفزة والصحافية الى حديثه الاخير على شاشة المستقبل، والجديد الوحيد فيه أن لا جديد. حليم كما كان يدعوه الرئيس حافظ الأسد الذي وثق به وأعطاه ما لم يعطه لأحد من سلطة ونفوذ وسلطان ومال حتى سلمه أغلى ما لديه وهو الملف اللبناني، وعلى رغم كل الملاحظات والشكاوى التي كان يتلقاها بقي متمسكاً به حتى اليوم الاخير. كيف لا وهو رفيق الدرب الطويل والصعب، وهو رجل المهمات الصعبة وإن كان الرئيس الأسد يجد نفسه في الكثير من الاحيان مضطراً الى كبح حماسته الزائدة التي كادت أن تورّط سوريا بسبب مواقفه المتطرفة والانفعالية. أبو جمال تعب من لبنان ومشاكله منذ بدايات الحرب الاهلية اللبنانية، أفلم يقل لبيار الجميل، الجد طبعاً، إن المسؤولين في سوريا تعبوا من لبنان ومشاكله فهم يعطونه ثلاث ساعات على الأقل يومياً من وقتهم، إذاً لماذا بعد ثلاثين سنة على شكواه تلك لا يزال خدام يتعب نفسه بالشؤون الداخلية اللبنانية فيعطينا النصح والمشورة. في اطلالته الاخيرة التي بدا فيها مرهقاً متعباً مثقلاً بالهموم مربكاً مدركاً تسرّعه بإعلان الانشقاق عن النظام الذي كبر في ظلاله، بعدما صدّق الوعود الباريسية التي اعطيت له وهي انه مع الربيع المقبل سيزورونه في قصر المهاجرين! فأتى الخريف ولم يتحقق الوعد فبات وحيداً في قصره الباريسي الفاخر لا يدقون بابه الا عندما يريد هذا أو ذاك زكزكة النظام في سوريا ثم عندما تنجح الوساطات مع دمشق يتركونه في وحدته وغربته. وبالعودة إلى حديثه المتلفز الأخير على شاشة المستقبل يقول خدام انه يخشى حرب جديدة على لبنان لا تتحمل فيها سوريا أي عبء عسكري، ويضيف ان لا قيمة للاتفاقية العسكرية بين سوريا ولبنان فهي تحولت الى حبر على ورق. والملاحظ هنا ان هذه الاتفاقات كانت موجودة عند حصول الاعتداءات الاسرائيلية السابقة وعندما كان هو في السلطة، فلماذا لم يحرك خدام حينها ساكناً ولماذا لم يدعُ الى تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك. وفي مقابلته يرفع خدام المسؤولية عن نفسه مدّعياً انه لم يكن يقرر مصير لبنان وحده فهو لم يتعاطَ يوماً في الأمن، وانه كان فقط جزءاً من القرار، داعياً الى اقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا، ومؤكداً انه لم يكن في «ذهننا» يوماً أن نضم لبنان. استخدامه صيغة الجمع مهم في ذهننا لانه خلافاً لادعائه بالبعد عن القضايا الأمنية كان العضو الأبرز في اللجنة الثلاثية التي أدارت الملف اللبناني الى جانب العماد حكمت الشهابي واللواء غازي كنعان، فمصير لبنان كان بين أيديهم وكانت لا تلجأ الى الرئيس حافظ الأسد الا في الحالات الضرورية جداً. والكل يعلم ان خدام كان بوابة الدخول الى دمشق لجميع السياسيين اللبنانيين من دون استثناء وهو صانع رؤساء الجمهورية والحكومة، من رضي عنه كوفئ بوزارة أو نيابة ومن غضب عليه سُدّت الأبواب في وجهه الى ما هنالك من الأساليب الانتقامية التي أتقنها خدام ببراعة قلّ نظيرها. أما بالنسبة إلى رغبته في تبادل السفارات مع لبنان كما هي الحال بين كل الدول على حد قوله متسائلاً كيف يمكن ان لا أؤمن بلبنان المستقل؟ أليس هو من قال في عام 1975 إن لبنان جزء من سوريا وسنستعيده، وهو من حذّر اللبنانيين في عام 1976 من أن التقسيم يلزم دمشق إلغاء الكيان اللبناني ويدفعها لضم لبنان نهائياً. أبو جمال في شهر كانون الثاني 2005 رفض الاعتذار من السياسيين اللبنانيين عن الأخطاء التي ارتكبها بحقهم والسياسات التي اتبعها في لبنان قائلاً إنهم هم من يجب أن يعتذر منه وليس العكس، فعلى ماذا يجب أن يعتذر؟ أعلى إفشاله المشروع الاسرائيلي في لبنان أم على إسقاطه اتفاق السابع عشر من أيار؟. وكلامه هذا اعتراف بل تبنٍّ واضح للسياسة السورية في لبنان ودوره الأوحد فيها، خلافاً لادعاءاته المتلفزة. مؤسفة مشاهدة رجل من الماضي على شاشة المستقبل، يتولى الدفاع عن كرامة قوى الرابع عشر من آذار، معتبراً أن الرئيس السوري يهدف بتهجّمه عليهم إلى إثارة الفتنة الداخلية. أبو جمال الذي كرّس وقته في السبعينيات والثمانينيات لصبّ الزيت على النار وإثارة الفتن وإفشال كل مشاريع وقف إطلاق النار ومؤتمري جنيف ولوزان وغيرها من محاولات المصالحة، حريص على الوحدة الداخلية! حبذا لو يُترك الرجل في عزلته الباريسية فلا هو يفيد حلفاءه بشيء ولا يضر خصومه على اعتبار أن لا أتباع له ولا مناصرين ولا محبين، حليم بات مجرد أداة يستخدمها خصوم النظام السوري بين الحين والآخر، فيما هو يقبع وحيداً ضائعاً في قصره منتظراً إطلالة تلفزيونية أخرى إذا لم يداهمه الوقت.
* باحث لبناني