[نص غير منشور كُتب عام 2018 وننشره اليوم بمناسبة رحيل الصديق والحبيب الأستاذ حبيب صادق]
هو في الجيل واحد من خياره، ومنار له إلى أقداره، إنه صاحب سعادة، واثنتين، وثلاث، ليس لأنه «نائب سابق» بل لأنه مناضل دائم ومثقف وشاعر أيضاً! إنه حبيب صادق. وما الذي حفّزني إلى الكتابة عنه الآن (صيف 2018)؟ واقعتان:
الأولى، هي تجديد اقتراح قانون تقدّمت به النائبة الجديدة السيدة بولا يعقوبيان ونشرته «الوكالة الوطنية للإعلام» بتاريخ 3/7/2018 يرمي إلى «إلغاء الألقاب المعتمدة في مخاطبة ومراسلة الرسميين اللبنانيين الموروثة من العهد العثماني ومن زمن الانتداب الفرنسي» (على سبيل المثال «فخامة» و«دولة» و«معالي» و«سعادة» وما شابهها) وأن يعتمد حصراً لقب «السيد» أو «السيدة» أو «السادة» بغية عدم التمييز بين المواطنين والمسؤولين الذين هم أصلاً مواطنون لأن قشوراً كهذه ومظاهر كهذه لا تضيف شيئاً إلى قيمة الشخص «الذي وحده عمله وإنجازاته تعبّر عنه».

والواقعة الأخرى (ولا أقول الثانية) هي أنني في اليوم عينه تلقّيت من الصديق الأستاذ حبيب صادق نسخة من كتابه الثامن عشر «على هامش مجلة الطريق» (1)، مصدّراً إياها بكلمة إهداء لطيفة، وطبعاً ليست عبارة «سعادة السفير» التي تضمنتها هي ما حفّزني إلى كتابة هذه الكلمة «لأن عمل الشخص وإنجازاته وحدها هي التي تعبر عنه» فعلاً (وأضيف «وأخلاقه»)، وإنما ما كان يعتمل في نفسي منذ أمد بعيد من تقدير واحترام للكائن الإنساني الذي حلّ في الهيكل البشري للأستاذ حبيب.
وقبل أن أمضي قدماً في الحديث عن تجلياته المتعددة، أتوقف قليلاً عند ألقاب التبجيل المستعملة في مخاطبة المسؤولين والمشاهير أو في التعريف بهم فأقول بأن أمثالها أقدم من العهدين الفرنسي والعثماني، بل هي من عمر التاريخ، منذ أزمنة الملوك والأباطرة والخلفاء، كما أنها تشمل «المقامات» الدينية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ويلفت النظر في هذا الشأن ما ورد في «خطط الشام» لمحمد كرد علي نقلاً عن القلقشندي من أن الأسماء المضافة إلى «الدين» مثلاً أصلها ألفاظ تلقيب لا أسماء علم «وقد بدئ باستعمالها منذ القرن الرابع للهجرة ثم صرت تسمع ما شئت من الألفاظ الموضوعة» (كشرف الدين وزين الدين وفخر الدين ونور الدين)، حتى قال قائلهم:
«طلع الدين مستغيثاً إلى الله
وقال العباد قد ظلموني
يتسمون باسمك وحقك لا أعرف
منهم شخصاً ولا يعرفوني» (2)
وأمّا الاقتراح بأن يعتمد حصراً لقب «السيد» أو «السيدة» في المخاطبة فنذكّر بأن أصل هذا اللقب هو بدوره «طبقي» بامتياز لأنه موروث منذ عهود إقطاعية: «السيد» على العامل أو المستخدم «العبد» في فرنسا وغيرها. وعبثاً حاولت الثورة الفرنسية المدنية العلمانية أن تستبدل به لقب «المواطن» أو «المواطنة» فاستمر هذا حتى اليوم. وفي كل حال لا بأس من كل ذلك، إذ إنه فقد بالاستعمال والتعميم والابتذال دلالته الأصلية، فضلاً عن أفضلية القاعدة التي تقول: «خطأ مشهور خير من صواب مهجور». وبالمنطق نفسه نجتهد فنقيس ونقول بالاستمرار في استخدام الألقاب الشائعة ما دام ذلك يؤمّن مصلحة أو فائدة لطرفيه -المخاطِب والمخاطَب- دون مس بمصالح الآخرين أو مشاعرهم.
وهذا يعيدنا بصورة طبيعية إلى موضوعنا الأساس: التحية والتقدير والاحترام لحبيب صادق، لأن لقب «السعادة» لا يعني له شيئاً بصفته «نائباً سابقاً» ويفضل عليه المعنى الحقيقي للسعادة التي تنبع من الجذور ولا تتأتّى من القشور.
لقد ترشّح للنيابة مرة أولى عام 1968 في دائرة مرجعيون/حاصبيا باسم «قوى اليسار الديموقراطي» (ومنها الحزب الشيوعي) «لكسر احتكار البعض لحق الترشيح ولمحاربة الإقطاع السياسي ولنصرة المقاومة الفلسطينية الناشئة». وقد مثّل ذلك «انعطافة تاريخية» في حياته، إذ كان أول دخوله في الحياة السياسية المباشرة. وفشل هو وزميله أحمد سويد في منافسة اللائحتين الأخريين المدعومتين من قبل السلطة (الأولى بقيادة كامل الأسعد والأخرى بقيادة أسعد الأسعد). ولكنه استرجع مبلغ التأمين الذي دفعه لحيازته العدد اللازم من الأصوات لذلك (3).
وإذ كان حبيب صادق رئيساً لدائرة المحاسبة في وزارة الصحة، استبشر خيراً بمجيء وزير إنساني على رأسها سنة 1970 هو الدكتور إميل البيطار في «حكومة الشباب» التي ألّفها صائب سلام، فعاون الوزير على إعداد موازنة مناسبة للوزارة، كان من بنودها تخفيض أسعار الدواء وإعادة النظر في توزيع الاعتمادات المخصّصة للاستشفاء بين مؤسستي القطاع العام والقطاع الخاص بغية تعزيز المستشفيات الحكومية. ولكن المشروع أُجهض من قبل «مافيا الدواء» وبعض كبار المسؤولين وأُرغم الوزير على الاستقالة، ولم يعمّر بعدها إلا قليلاً فتوفي وهو في ريعان الشباب (4). وكرّر حبيب صادق الترشح للنيابة سنة 1972 و«أخذنا بالطريقة التي اتبعناها في معركة 1968» باعتماد شعار «ادفع واقترع» أي ما سمي بـ«الليرة الشعبية»، تلك التي اعتمدها أيضاً نجاح واكيم. ولكنّ «نجاح» نجح في اختراق لوائح السلطة فيما فشل حبيب صادق لتضافر سلطات الدولة ضده وارتكابها مخالفات فاضحة في الانتخابات أدّت إلى «إسقاطه لا سقوطه» كما قال، بشهادتين خطيتين من قبل رئيسي قلم اقتراع وبشهادة من رئيس الوزراء صائب سلام نفسه سنة 1973 نقلها إليه الدكتور حسن الرفاعي والمحامي ناظم القادري (5).
ثم إنه كرّر المحاولة سنة 1992، ولكن بالتفاهم والتكامل مع حركة «أمل»، فعبَر، إلا أنه ما عتم أن انفصل عن التكتل النيابي الذي ضمّهما لأنه لم ينسجم معه في طريقة العمل وأسلوبه.
وترشح أيضاً سنة 1996 من موقع المعارضة الصريحة في «لائحة الخيار الديموقراطي». وتكررت أسباب الفشل الأولى. أمّا انتخابات عام 2000، فقد كانت الأخيرة بالنسبة إلى ترشّحه مع مجموعة من الشباب في لائحة حملت الاسم السابق نفسه (الخيار الديموقراطي)، ولكن بمعزل عن الخصوم وبمعزل عن «الرفاق» أيضاً، أي باستقلالية تامة.
وأخيراً، على الرغم من أنه كان لديه منبر جاهز دوماً للإطلال منه منذ سنة 1964 هو «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» (وهو مؤسسة أنشئت في فضائها عدة حركات ذات طابع سياسي واجتماعي وليست ذات طابع ثقافي وحسب)، فإنه عمل على إنشاء منبر آخر أكثر انفتاحاً على هموم الوطن السياسية وتلتقي فيه الآراء الحرة المسكونة بهاجس التغيير الديموقراطي في لبنان (اسمه «المنبر الثقافي») وكانت غالبية لقاءاته تنعقد في مقر «المجلس الثقافي» وتسعى إلى إبرام «عقد تأسيسي جديد للبنان»، ويبدو أنه اضمحل بعد سنة 2005. وهنا نود أن نشير إلى أن ذلك التغيير الديموقراطي المنشود قد سبق للأستاذ حبيب أن تناوله في مداخلة له في ندوة عُقدت في جامعة جورج واشنطن خلال المؤتمر الثاني للاتحاد العام لطلبة لبنان في الولايات المتحدة وكندا سنة 1988. وكان موضوع الندوة «مستقبل لبنان». وكان ذلك -طبعاً- قبل انتهاء مؤتمر الطائف وقبل تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. ومختصر المداخلة أن «العلة الجوهر للأزمة اللبنانية تكمن في بنية النظام الطائفي القائم... من حيث هو نظام بورجوازي/طائفي مشوّه وعاجز... وأن حل هذه الأزمة يتوقف على تغيير في بنية هذا النظام... وشرط نجاح هذا التغيير يتوقف على الالتزام بالديموقراطية والعلمانية، سياسة ونهجاً وممارسة عملية، والالتزام بالعروبة هوية ومسؤولية» (6).
أمّا من أبرز النشاطات الميدانية الأخرى لحبيب صادق فعمله مع رفاق له في نطاق المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سنة 1975 وفوزهم بـ 5 مقاعد من أصل 12 مقعداً، وقد عقدوا اجتماعات مع مؤسّسه الإمام موسى الصدر خرجوا منها بتفاهم معه على ضرورة التعاون الأمين في أربع قضايا: الوحدة الوطنية، والقضية الاجتماعية، وقضية جنوب لبنان، ودعم القضية الفلسطينية.
وأمّا بالنسبة إلى العمل السياسي بمعناه الواسع، فإن حبيب صادق كان قد انتسب إلى «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» في مطلع تأسيسه سنة 1964، حيث انصرف بكليته، اختياراً، إلى العمل في إطاره باندفاع شديد «وكأنّي عثرت على ضالتي في قيامه... (ومن وقتها) ارتبط المجلس بعمري ارتباطاً عضوياً لا انفكاك له منذ التأسيس حتى يومنا هذا... وباب المجلس يعرف بانقطاعي له انقطاعاً رهبانياً بحسب المتتبعين لنشاطه المتعدد الوجوه والمتواصل الحلقات دون انقطاع» (7). هذا دون أن ننسى الجهود القيّمة لنخبة من المثقفين عملت إلى جانبه (وما زالت)، فالواقع أنه تماهى وذلك المجلس حتى إذا ما ذُكر أحدهما ذُكر الآخر!
وإذ أود ألا أطيل الكلام عن هذا المجلس الذي ولد في الستينيات مع مجالس ثقافية لبنانية أخرى (كـ«المجلس الثقافي للمتن الشمالي» مثلاً)، أشير إلى أنه يكاد يكون الوحيد الذي صمد واستمر في العمل بالزخم والروحية والانتظام نفسها (وإلى جانبه «الحركة الثقافية في انطلياس» التي تأسّست بعده سنة 1978)، رغم صروف الدهر وتقلبات الأوضاع في لبنان وعلى لبنان. ويمكن لمن يرغب في الاطّلاع على مسيرته بشكل أكثر إحاطة وإنصافاً أن يراجع الكتاب (لا الكتيب) الذي صدر عنه بمناسبة الاحتفال سنة 2014 باليوبيل الذهبي لإنشائه. ولكني لا أستطيع مغالبة رغبتي بل واجبي في ذكر ثلة من المؤسسين الأولين لهذا المجلس الذي «وقف نفسه على إحياء التراث الثقافي الوطني والقومي لجنوب لبنان ومن خلاله للبنان عامة»، وفقاً لما قاله عنه المؤرخ الكبير الدكتور قسطنطين زريق. ومن تلك الأسماء: جوزف مغيزل وحسين مكي وبولس سلامة وصدر الدين شرف الدين وأنطوان غطاس كرم وأحمد سويد وحسين مروة وجورج جرداق وعبد اللطيف شرارة ويوسف الحوراني وزيد الزين، وغيرهم (8).
عمل على إنشاء منبر آخر أكثر انفتاحاً على هموم الوطن السياسية وتلتقي فيه الآراء الحرة المسكونة بهاجس التغيير الديموقراطي في لبنان (اسمه «المنبر الثقافي»)


يبقى أن حبيب صادق كان عضواً فعالاً في «اتحاد الكتاب اللبنانيين». وباسم هذا الاتحاد شارك في الاحتفال الشعري العربي الكبير الذي أقيم في القاهرة في أربعين الرئيس جمال عبد الناصر وذلك بقصيدة رثاء لافتة إلى جانب لفيف من الشعراء العرب.
تقول«قصيدة» إذاً تقول شاعر! وأي شاعر هو حبيب صادق؟ لنقل أولاً إنه شاعر «مطبوع» لأن له - بمعنى - مجموعات ثلاثاً من الشعر طُبعت ونُشرت، بل إن أولى مؤلفاته المنشورة كانت تلك المجموعات الثلاث: «فصول لم تتم» (1969) و«زمن القهر والغضب» (1973) و«جنوباً ترحل الكلمات» (1981). هذا عدا قصائد متفرقة أخرى نُشر بعضها منذ أواسط الخمسينيات في مجلات ثقافية وأدبية أو في ثنايا كتبه الأخرى.
ولنقل ثانياً إنه شاعر «مطبوع» بمعنى أن الشعر من طبعه ولا يتكلّفه. ولقد شعرت بحبه له حتى من خلال كتاباته النثرية (الأدبية وغير الأدبية)، فضلاً عن أحاديثه مع مجالسيه. أمّا مواضيع شعره فجلّها يتركز على الوطنيات. ومنذ الخمسينيات اهتم مثلاً بثورة 23 يوليو في مصر بقيادة عبد الناصر سنة 1956، ثم نراه يرحب بالوحدة المصرية - السورية سنة 1958 وغيرها وغيرها.
وأود أن أذكّر هنا بأننا تلاقينا في الهموم، لا بالجسوم، في تلك الفترة. على أننا إذا كنا قد تلاقينا في الإشادة شعراً بالبطولة المصرية في معركة بور سعيد مثلاً، إلا أنني شخصياً لم أهشّ كثيراً لتلك الوحدة لأنها - في رأيي - تمت من «فوق» وليس نتيجة نضج ديموقراطي لقاعدة شعبية عريضة في كلا القطرين تحافظ عليها من الانهيار في المستقبل. وهذا ما لبث أن حدث، بكل أسف، سنة 1961. ولكن هذا لا يقلل أبداً من قيمة الشحنة العاطفية ولا القيمة الفنية في شعر الحبيب تجاهها:
«ترقرقي يا أغنيات وانهمري
تفجّري نهري سنا وعنبر
تدفّقي مانحة بالمشتهى
من حلمي بالمرتجى من عمري
لمثل هذا اليوم كانت صبوة
في خاطري وحرقة في محجري
فمزّقي السبع الرقاق وارقصي
عارية الفرحة بكر الصور»
ونلاحظ أن الشعر أعلاه سوق على بحر خليلي كلاسيكي الوزن. وتلك سمة لقصائد عديدة عنده. ولكنه منذ البدايات أيضاً سبح في «البحيرات» الخليلية واستعمل شعر التفعيلة الحر على غرار العديد من الشعراء في جيله أمثال نزار قباني وصلاح عبد الصبور وسلمى الخضراء الجيوسي ويوسف الخال وشوقي بغدادي وسواهم. وهنا أسمح لنفسي أن أكرر اعتقادي بأن الوزن من الشعر هو كالجلد من الجسم لا كالثوب منه. وهذه مقولة بسطتها في كتابي «مع الشعر العربي... أين هي الأزمة؟» (9).
ومن قصائد شاعرنا على بحر الرمل واحدة مميزة قالها (ولا أقول نظمها) ونشرها سنة 1957 في مجلة «الآداب» بعنوان: «القوارير... وأرض المعركة» وذلك في الذكرى الأولى لاستشهاد الفتاة المقدسية «رجاء» التي يمكن اعتبارها - في نظري - رائدة للفدائيات اللاحقات أمثال دلال المغربي وسناء محيدلي وليلى خالد:
«كل قلب فيه من جرحك جرح
وعلى كل جبين
باقة من ياسمين
لك يا شوق السنين
يا نداء
أرضنا
أرض الرجال الطيبين
والنساء الحالمات
بالحلى والطيب والبيت الأمين
للقوارير الصغيرة!
في بلادي
كانت البنت صغيرة
أبداً كانت صغيرة
وجهها وصمة عار
في بلادي
كانت البنت أسيرة
في بلادي
لم يكن للبنت قلب
حين أقبلت مع الضوء
رشيقة
مثل طيف مرّ في البال
نقية
مثل زهر النور في عين حيية
وسعى جانحك اليانع يحبو
ولمحت الوحش في الأرض يدب:
لمن الأرض هنا؟
أين الرجال؟
ورأيت السوط والجلاد فانهار السؤال
ومشى نسغ القضية
في العروق العربية
فاطّرحت الليل عن عينيك والقيد الثقيلَ
وتقحّمت المدى والوحش يزأر
فانجلى الموقف عن ناب تكسّر
ودم مثل جراح الشمس يهدر
كل قلب فيه من جرحك جرح
وعلى كل جبين
باقة من ياسمين
لك يا معنى الفداء يا رجاء
أنت في عالمنا المهزوم فتح» (10).
وهكذا وهكذا: قصائد تحكي الجنوب والفداء والشهداء، ثم - في ما بعد - قصائد غير «موزونة»، قل منثورة، لكنها دفاقة الشعر والوفاء لعناوين في الكرامة: من قرى جنوبية -نعم قرى- مثل حولا وعيناثا وكفركلا، إلى أعلام في الوطنية وزعماء وشهداء وأدباء مثل القائد الرمز كمال جنبلاط أو شهيد التراب حسين أيوب أو الشاعر الرؤيوي أنطوان غطاس كرم، وغيرهم وغيرهم ممن هم «مقيمون في ذاكرة الوطن».
وإذا ما كرّر صادق هذه الصورة الأخيرة في أكثر من قصيدة فلأن المثل المثال ولا يضيره، من بعد، إن استعمل بعض المفردات المعجمية مثل «لامة» (الدرع) أو «همز» (نخس مستنهضاً)، فإن فيها - بدورها - استنهاضاً من نوع آخر.
ويبقى سؤال لا بد منه: أين الغزل والحبيبة – من حبيب؟ يقول بأنه عرف مشاعر الحب الأول في مطلع الخمسينيات (1953/1952) عندما كان معلماً في إحدى مدارس بيروت تجاه زميلة جديدة. ولكن انتقاله إلى مدرسة أخرى، بالإضافة إلى ظروف عائلية خاصة، جعلته لا يتابع المشوار. ولكنه، في الوقت نفسه، يؤكد أنه «لا يكنّ للمرأة إلا جزيل الاحترام وعظيم التقدير، فهي تمثل بحق نصف المجتمع ويعود إليها الدور الجليل في إغناء الحياة الإنسانية بالدفء والجمال والخصب» (11). أمّا اعتقادي الشخصي فإنه «تزوج» قضايا الوطن فشغلته عما سواها ولذا تراه -هو- مثلث «السعادات» مع النضال والحرية والشعر... وتراني -أنا- أتساءل:
إذا كنت في لبنان صادقاً وحبيباً - أي محبوباً - على الرغم من صدقك، ألا تخرج بدّاً من جدلية الحزن والفرح وتكون، بالتالي، سعيداً حقاً؟!
* شاعر ودبلوماسي لبناني

هوامش:
(1) دار الفارابي بيروت 2018.
(2) خطط الشام، ج6، ص 311/312، مطبعة الشرقي، دمشق 1927.
(3) «حوار الأيام»، ص 772 دار الفارابي، بيروت 2014.
(4) المصدر نفسه ص 794.
(5) المصدر نفسه ص 835.
(6) «على هامش مجلة الطريق» ص 203/202.
(7) حوار الأيام، ص 760.
(8) المصدر نفسه، ص761.
(9) دار الآداب، بيروت 1996.
(10) فصول لم تتم، دار الآداب، بيروت 1969، ص 69.
(11) حوار الأيام، ص 446.