شكّلت وسائل التواصل، كتقنية تكنولوجية في عالم اليوم، حلقة وصل بين المقاومة وجمهورها في الحرب غير المتكافئة، عدة وعديداً، بين العدو الصهيوني والمقاومة في جبهات المحور المتعددة من فلسطين إلى لبنان فاليمن والعراق، وذلك من خلال نقل عمليات المجاهدين الحيّة لحظة بلحظة لكل مجريات الأحداث.أضحت الصورة التي تنقلها هذه الوسائل أفتك من فعل الصاروخ أو العبوة الناسفة التي تقضّ مضاجع الضباط والجنود الصهاينة في أغلب الأحيان وتلحق بهم وبقياداتهم الضرر الكبير، فضلاً عن نقل الإعلاميين الموضوعيين للصورة، والذي أدّى بدوره إلى استشهاد العديد منهم وتهديد قنوات، كـ«الميادين» على سبيل المثال لا الحصر.
هذا هو السياق الفاعل لمعنى الإعلام الحربي وانخراطه في الميدان وهو بذلك أساس في ترسانة المقاومة ثقافياً وسياسياً وإعلامياً بالطبع.
لقد أثّر الفعل الميداني في نقل صورة الحدث على أرض الواقع بحرفية من قبل المقاومين، بحيث كانت تسجّل العمليات المباشرة عبر كاميرات المقاومين المركبة على خوذاتهم لتنقل خلال دقائق المواجهات الشجاعة والبطولية ليشاهدها كل العالم. كل ذلك بفعل انتشار وسائل التواصل بين أيدي أغلب الناس على وجه البسيطة.
أتصوّر أن أصحاب فكرة ابتكار هذه الوسائل لم يضعوا في حسبانهم يوماً ما أن السحر قد ينقلب على الساحر، بحيث إن هذه التقنيات تحوّلت عن أهدافها الحقيقية والمرسومة التي وضعت لها من خدمة للمشاريع النيوليبرالية.
في الحرب على غزة بالتحديد، استطاع المحور المقاوم استخدام هذه الوسائل أحسن استخدام من خلال تمظهر الفعل المقاوم للمحتل على هذه الوسائل وسرعة انتشارها المذهل، أضف إلى ذلك فضح جرائم العدو الصهيوني المجرم في سفك الدماء وقتل النساء والأطفال بارتكابه المجازر المهولة انتقاماً لعجزه عن مواجهة قوى المقاومة، فأضحى التهديد فرصة لم يكن صنّاع هذه التقنيات يتصورون مدى انعكاس تأثيرها السلبي على ربيبتهم إسرائيل.
إنّ أحد أهم عوامل نجاح عملية «طوفان الأقصى» هو حفاظها على السرّية في الإعداد والاستعداد، والأهم من كل ذلك تخلّي جميع عناصر القوة المهاجمة عن هواتفهم الذكية ولفترات طويلة قبل انطلاق العملية، الأمر الذي جعل الخطة خافية تماماً عن جميع أعين استخبارات العدو الناشطة في تتبع المقاومين. هذا الأمر سجّل نجاحاً باهراً في استخدام عنصر المفاجأة والمباغتة للعدو، رغم كل إمكاناته الاستخبارية المتقدّمة.
نعم، لقد تحوّل التهديد (وسائل التواصل) إلى فرصة فضحت الكيان الغاصب في الغرب الذي تحوّل رأيه العام في العديد من البلاد الأوروبية، فأضحت الشعوب تنظر إلى إسرائيل كدولة إرهاب، بينما كانت في نظر هؤلاء سابقاً، وبسبب الدعاية الإعلامية الضخمة «دولة مضطهدة تحت عنوان الهولوكوست».
لقد كشّر الذئب عن أنيابه وانقضّ دون رحمة، فأوقع عشيرته المقربين في نفس المصيدة التي حبكها له الراعي بعد محاولة فاشلة في القضاء على كل قطيعه. سقط الذئب مع أقرانه في هاوية سحيقة لا قرار لها! وهكذا سيهوي هذا الكيان المصطنع، وسيسقط معه كل الداعمين من المستعمرين والمستكبرين وعلى رأسهم أميركا.

* باحث في علم اجتماع السياسة