يتصرّف إسلاميّو حركة مجتمع السلم (حمس) كأنّهم لا يعون أنّهم أصبحوا جزءاً من النظام الجزائري، يصوّتون على قراراته (في البرلمان) وينفذونها (في الحكومة) ويدافعون عنها (في الشارع)، منذ أكثر من 15 سنة. لا يتردد شيخهم، أبو جرة سلطاني، في الحديث عن «التغيير»، كما لو كان سجينَ رأي انتزع لتوِّه حرية الكلام، لا رجلاً تقلّد منصب «وزير الدولة لدى رئاسة الجمهورية»، طوال خمس سنوات (2004 ـــــ 2009)، ولم يتخلّ عنه إلا مرغماً، بضغط من رفاقه الذين خيّروه بينه وبين زعامة الحزب.ويُذكِّرنا رئيس حمس، وهو يمتدح «التغيير» بزميله في التكتّل الرئاسي، عبد العزيز بلخادم، الأمين العام للحزب الواحد السابق، جبهة التحرير، الذي جعله الخوف من انتشار حريق الغضب الشعبي يشير ـــــ ربما لأوّل مرة في حياته ـــــ إلى «ضرورة إصلاح النظام». أبو جرة سلطاني إذاً مع «الإصلاح»، لكنّه لشدة «اعتداله» وبالغ «وسطيّته» لا يرى من ربّان للسفينة سوى الرئيس بوتفليقة (25 مارس/ آذار 2011). ما الإصلاح في نظره؟ هو «مراجعة شاملة وعميقة للدستور، قبل عرضه على النقاش العام وقبل الاستفتاء، لتجنّب إصلاحات تتمّ بقرارات فوقية»، (10 مارس/ آذار 2011). ما أجمل هذا الكلام، لولا أنّ الدستور عُدِّل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، على نحو «فوقي» بحت، من طرف غرفتي البرلمان، من دون أن ينتقد هو ذلك (بالعكس تماماً، أبدى حميّة غريبة في مهاجمة منتقدي هذا التعديل البوتفليقي السافر).
ويبدو أنّ رئيس حمس يستغبي الجزائريين حقّ الاستغباء، وهو يدعو إلى تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، كأنّه هو شخصياً أبو هذه الفكرة العبقرية. لم نكد نصدق ما نسمعه منه لهول المفاجأة: ألم يدعُ في 2008 إلى التصويت بـ«نعم» على تعديل دستوري على مقاس عبد العزيز بوتفليقة ألغى تحديد ولايات الرئيس الذي فرضه الجيش ـــــ يا للمفارقة ـــــ في 1996؟ ألم يبرر آنذاك الرئاسةَ مدى الحياة بحرية الشعب في التمديد لزعيمه إذا أحبه وارتضاه؟
وبلغ استغباء أبو جرة سلطاني الجزائريين مبلغاً كبيراً، عندما تحدث عن واجب مكافحة الفساد والمفسدين. ألم تتحول وزارة الأشغال العمومية في عهد الوزير «الحمسي» عمار غول إلى بقرة حلوب ينهل منها مقاولو الحزب الأتقياء؟ ألا يقبع أمينها العام، الذي لا يقل عنه «حمسية»، في السجن بتهمة الرشوة؟ وإذا كان الفساد مستشرياً إلى تلك الدرجة في أوصال الدولة، فلماذا لا يُعقِب الشيخ الجليل بالأفعالِ تهديدَه المتواصل بـ«فضح ملفات الرشوة»؟ لماذا لم ينسحب الوزراء الإسلاميون من الطاقم الحكومي؟ ألا يشعرون بأية مسؤولية عن وضع البلاد المزري وهم يأتمرون، منذ 15 سنة، بأوامر رؤساء أفقروا الجزائريين على غناهم، وضيّقوا هامش حرية الصحافة، وأجهزوا على العمل السياسي المستقل؟ ألا يَذكر من دأبوا على تذكيرنا بأنّنا لا نفقه من الإسلام شيئاً حديثَ عمر بن الخطاب عن شعوره بالمسؤولية حتى «لو عثرت دابة في العراق»، بعيداً عن عاصمة الخلافة، فماذا عن ملايين يُذبحون يومياً على مرأى من الحكومة الجزائرية ومسمع من برلمانها الطيِّع «الوطني»؟
وعلى طريقة الإخوان الجزائريين العتيقة، ما إن يُذَكَّر إسلاميو الحكومة بمسؤوليتهم عن خيباتها، حتى ينبروا مدافعين عن «الثوابت الوطنية»، اللغة العربية والإسلام، كأنّها مهدّدة في بلد سلطتُه لا تتوانى، لمجازاتهم على صدق مهادنتهم، عن تضييق مجال الحريات الفردية وكبت حرية المعتقد. هكذا رأينا أبو جرة سلطاني، على طريقة دون كيشوت، يَشيّد طواحينَ وهمية، كي يدمّرها بسهولة ويوهمُ الشعب الجزائري بأنّ هويّته في خطر كي يظهر بمظهر حامي الحمى من العلمانيين. هل همُّ الجزائريين، وهم يحتجُّون أمام الرئاسة والحكومة والبرلمان، هو تحسين ظروف معيشتهم ووقف نهب ثروات بلدهم والدفاع عن حقهم في التظاهر والتجمع والتنظيم والتمثيل السياسي والنقابي الحر، أم همُّهم هو «حماية ثوابت الأمة من الضياع»؟
الأدهى والأمرّ أنّ حمس لا تزال تزعم أنّها ليست من النظام في شيء. إلامَ يستند مزعمها هذا؟ على أساس أنّها لا تتحكم في أي جهاز أمني وأنّها غير ممثلة في مجلس الجنرالات السري؟ في هذه الحالة، حتى جبهة التحرير، العريقة في دور الحزب الواحد المتجدد، لم تعد جزءاً من النظام منذ زمن طويل؛ لأنّ قادة الجيش ورؤساء الأجهزة ليسوا أعضاء فيها، ولأنّ دورها، منذ 1998ـــــ كدور حمس وحليفهما في التكتل الرئاسي، التجمع الوطني الديموقراطي ـــــ لا يتعدى مباركة سياساته برفع الأيدي، والأرجل أيضاً أحياناً.
لا يسعنا ونحن نستذكر آلاء حمس على النظام الجزائري وتواطئها معه في قمعه الجزائريين وصمتها عن نهب ثرواتهم، إلا أن نستغرب استمرار الأحزاب العلمانية واليسارية في التنديد بها كـ«تنظيم ديني يسعى إلى الوصول إلى كرسي الحكم»؟ لا خطر اليوم في الجزائر اسمه «حمس»، بل خطر سلطة ذات رأسين، أحدهما «وطني» مزعوم (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي) والثاني «إسلامي» مهادن، عقله المدبر حزبُ أبو جرة سلطاني.
* صحافي جزائري
7 تعليق
التعليقات
-
رد على هذا البليدحمس أشرف من أن يقال عنها سند للنظام ولن تكون سند لهذا النظام
-
الاسلاميون عبر التاريخ برهنواالاسلاميون عبر التاريخ برهنوا على براغماتيتهم فهم يغضون الطرف عن من ياندهم في الوصول الى السلطة حتى وان كان طرفا فاسدا
-
كلامك فيه تجني كبير على حركةكلامك فيه تجني كبير على حركة مجتمع السلم يا أخ ياسين،فأنت تفسر مواقف" حمس "كمن يقول ويل للمصلين ويسكت، فأرجو منك الموضوعية في الكتابة وأن لا تكتب على أساس خليفة عرقية أو دينية...
-
نسعى للحقيقةالنظام لم يصنع حمس ولم يخرق القانون لعيون حمس 1- فقد منعت وغيرت اسمها فاقدة حرف الألف (حماس إلى حمس) تماشيا مع القانون، والنظام أراد منع الراحل محفوظ نحناح من الترشح للرئاسيات بحجة عدم المشاركة في الثورة المباركة. 2- حمس ساندت برنامج بوتفليقة الاقتصادي والاجتماعي وووو أما ما تتحدث عنه فهو من مسؤولية العدالة. 3- نعم هناك فساد ولكن ليس في القمة فحسب بل عند عموم الشعب للأسف الشديد والقضاء على الفساد مسؤولية الجميع. حركة مجتمع السلم هي أول من رفع شعار فساد قف ولكنها مُنعت من مبادرتها ... ولا تقل هذا رضوخ، فعمال قطاع التربية أوقفوا الاضراب لما صدر في حقهم حكم بعدم مشروعية الاضراب، هناك أشياء "الله غالب" أعتقد، ولا حول ولا قوة إلا بالله. شكرا على التفاعل.
-
لم تقل الا الحقيقةحركة "حـمـس" شكلت غطاءا اسلاميا لهذا النظام بل هو من صنعها و اليك الدليل: 1)- الدستور يمنع تشكل احزاب على اساس ديني وطائفي و و ..... النظام خرق الدستور من اجل عيون "حـمس". 2)- ماذا كان برنامج بوتفليقة الذي ساندته "حـمـس"? سياسة اللاعقاب.ان يبقى مجرموا النظام بعيدا عن قبضة العدالة. 3)- لم يرى الجزائريون معدلات فساد و رشوة و تفسخ في المجتمع كالتي راوها خلال السنوات التي قضتها "حمس' في التحالف الرئاسي.لا اقول ان "حمس' هي من فعل هذا ولكنها اعطت الغطاء للنظام ليفعل ما يشاء وهو مرفوع الراس.
-
سيديأبو جرة سيد رجال فحل و بطل
-
حمس: السند الإسلامي للدولة الجزائريةحركة مجتمع السلم باختيارها "مساندة النظام" كانت تريد الحفاظ على الجزائر وحمايتها من الصوملة أو الأفغنة. استوزار الشيخ ودخوله في الحكومة هو أيضا لكسب الخبرة والاطلاع على "القدر". حركة مجتمع السلم ليست بحاجة إلى "ركوب أمواج" فهي لوحدها تيار قوي. الحركة بدعوتها للتغيير تريد الارتقاء بالديمقراطية والحريات في الجزائر وتجنب العودة إلى التسعينيات. أبوجرة سلطاني لا يستغبي الجزائريين إنما للأسف الشديد عموم الجزائريين لا يفهمون خطاب ومواقف حمس إلا بعد فوات الآوان. الفساد موجود في كل مكان وهو أقل منه في الوزارات والبلديات التي تشرف عليها حمس، وما ذنب وزير حمس إذا كان جل المقاولين مرتشون وغشاشون ولا يهمهم بناء بلدياتهم وولاياتهم ووطنهم وهمهم الوحيد هو الربح السريع. نعم تحدث أبو جرة عن الفساد قبل أن تتبناه السلطة وقد أُسكت. رأيتم تعامل الصحافيين في التلفزيون الجزائري مع الشيخ أبو جرة ولو كان في السلطة لاختار هو تاريخ الحصة واختار الصحافيين وربما اختار حتى الأسئلة. هناك فرق بين النضال في الميدان بالوقت والجهد والمال وبين الانتقاد حتى ولو كان بناء، والجزائر في 36 مليون نسمة وأحزاب كثيرة بمختلف مشاربها ولها أن تفعل ما عجزت عنه حمس، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل. يشرفني أنني في حركة هي الوحيدة تقريبا التي تبادر وتناضل من أجل التغيير إلى الأحسن وبوسطية ودون الاصطياد في المياه العكرة ولو كانت تريد مصلحتها لأطفأت النور و"ضربت النح".