طهران | بعد مضيّ أسبوعين على الهجوم الذي نفّذته إسرائيل ضدّ القنصلية الإيرانية في دمشق، وفي أعقاب التكهنات الكثيرة حول طبيعة ردّ الجمهورية الإسلامية، نفّذت إيران في خاتمة المطاف عملية «الوعد الصادق»، والتي بدأت ليل السبت واستمرّت حتى فجر الأحد، وأطلقت خلالها «عشرات المُسيّرات والصواريخ» من أراضيها في اتّجاه إسرائيل، في ما يُعدّ حدثاً غير مسبوق من شأنه أن يُدشّن فصلاً جديداً من المواجهة بين الجانبَين، وأن يؤسّس لمعادلات أمنية مختلفة في المنطقة.وفي أعقاب العملية، أعلن «الحرس الثوري» الإيراني، الذي استشهد سبعة من أفراده بمَن فيهم أحد كبار قياديّي «فيلق القدس» محمد رضا زاهدي، في الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، في بيان، أنه «ردّاً على الجرائم العديدة للكيان الصهيوني بما فيها مهاجمة القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق، واستشهاد عدد من القادة والمستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا، ضربت قوّة الجو - فضاء التابعة للحرس الثوري، أهدافاً محدّدة داخل الأراضي المحتلّة بعشرات الصواريخ والمُسيّرات». وأوضح البيان أن «العملية تمّت بموافقة المجلس الأعلى للأمن القومي، وتحت إشراف الأركان العامة للقوات المسلحة وبإسناد رجال الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومساندة وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلّحة».
وفي هذا الجانب، ذكرت «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم إن إيران أَطلقت 185 طائرة من دون طيار و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض - أرض، فیما ادّعی الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، أنه تم اعتراض 99% من الصواريخ والطائرات المُسيّرة الـ300 التي أطلقتها إيران. لكن مقاطع مصوّرة تداولتها وسائل إعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أَظهرت سقوط صواريخ باليستية إيرانية على أهداف في النقب، وإصابتها قاعدة جوية إسرائيلية. وأكدت وكالة «إرنا» نجاح استهداف القاعدة بصواريخ «خيبر»، فيما أفاد تقرير للوكالة بأن الصواريخ الباليستية التابعة لـ»الحرس الثوري» طاولت العديد من الأهداف، ومن ضمنها قاعدة «نيفاتيم» الجوية الواقعة جنوبي الأراضي المحتلّة في منطقة صحراء النقب بالقرب من مدينة بئر السبع، والتي يبلغ طول مدرجها 3400 متر، وتُعدّ الحظيرة والقاعدة الرئيسية لطائرات «إف-35» الإسرائیلیة. کذلك، أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بأن نصف الصواريخ التي تم إطلاقها أصابت أهدافاً إسرائيلية «بنجاح». وتابع أن «حرس الثورة» استخدم صواريخ باليستية من طراز «عماد» وصواريخ «كروز» ومُسيّرات «شاهد 136».
وإذ كان العديد من المراقبين، سواء في إيران أو إسرائيل، يرجّحون بأن يكون الردّ الإيراني «محدوداً»، فإن هجمات ليل السبت - الأحد من حيث العدد الهائل من الصواريخ والمُسيّرات، وكونها نُفّذت على عدّة مراحل، واستهدفت عمق المناطق المحتلّة، فاقت الكثير من التوقعات وأثارت دهشة المراقبين. ويبدو أن إيران أرادت، في ضوء توسيع نطاق هجماتها في هذه المرحلة، أن يتلقّى الطرف الآخر رسالة الردع. واستُبق هجوم فجر يوم أمس، باحتجاز سفينة شحن «مرتبطة بإسرائيل» في مضيق هرمز، ظهر السبت، علماً أن السفينة «إم إس سي أرييس» كانت ترفع علم البرتغال ومستأجرة لشركة «زودياك» الدولية لخدمات الملاحة البحرية التابعة لمجموعة «عوفر غلوبال» المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي، إيال عوفر.
أمام إسرائيل التي تخوض الآن حرباً في غزة، وصراعاً مع «حزب الله» في لبنان، خيارات شائكة وعصيبة إزاء الهجمات الإيرانية


وبعد ساعات من العمل العسكري الإيراني، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، في بيان، إن هذا الإجراء «نُفّذ وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة في ما يخصّ الدفاع المشروع»، مؤكدةً أنه جاء «ردّاً على اعتداءات الكيان الصهيوني على المواقع الدبلوماسية الإيرانية في دمشق». وفيما قالت البعثة إنه «يمكن اعتبار القضية منتهية»، فهي شدّدت على أنه «إذا ارتكب الكيان الإسرائيلي خطأً آخر، فإن الردّ الإيراني سيكون أشدّ وأعنف بشكل لافت. إن هذا الصراع، هو بين إيران والكيان الإسرائيلي المتمرّد، ويتعيّن على أميركا أن تنأى بنفسها عنه».
وفي سیاق متصل، أكّد رئيس هيئة الأركان الإيرانية، اللواء محمد باقري، أمس، أن «هجومنا انتهى ولا نرغب في مواصلته، لكننا سنردّ بقوّة إذا ما استهدفت إسرائيل مصالحنا»، مضيفاً أنّه «إذا ردّ النظام الصهيوني، فإن عمليتنا المقبلة ستكون بالتأكيد أكبر بكثير». وقال: «إذا شاركت واشنطن في أيّ هجوم ضدّنا، فإنّنا سنستهدف قواعدها في المنطقة ولن تكون بمأمن»، معلناً أن «هجومنا أدّى إلى تدمير موقعَين عسكريَّين إسرائيليَّين مهمَّين». کما هدّد القائد العام لـ»الحرس الثوري» الإيراني، اللواء حسين سلامي، بأنه «إذا قام الكيان الصهيوني بأيّ ردّ فعل، فمن المؤكد أن ردّ إيران سيكون أصعب». ومن جهته، أکّد القائد العام للجيش الإيراني، اللواء عبد الرحيم موسوي، أن «إصرار الكيان الصهيوني على مواصلة اعتداءاته هذه المرّة، سيواجَه بعقاب أشدّ».
والواقع أن الهجمات الإيرانية بالصواريخ والمُسيّرات على إسرائيل، تعني عمليّاً الانسحاب من سياسة «الصبر الاستراتيجي»، وهو ما يعني دخول المواجهة بين إيران وإسرائيل في مرحلة جديدة، وتأسيسها لمعادلات مختلفة.
ومنذ الساعات الأولى للهجمات الإيرانية، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها «ستردّ عليها ردّاً حاسماً وقويّاً». ومع ذلك، فإن أمام إسرائيل التي تخوض الآن حرباً في غزة، وصراعاً مع «حزب الله» في لبنان، خيارات شائكة وعصيبة، إزاء الهجمات الإيرانية؛ إذ في حال أقدمت على عمل ما ضدّ طهران، قد تُواجَه بردّ أوسع نطاقاً تنفّذه الأخيرة وباقي أجزاء محور المقاومة. وإنْ لم تقم بعمل ما ضدّ إيران، فإن قدرتها العسكرية وقوتها على الردع، ستكون موضع شكّ كما حصل في هجوم السابع من أكتوبر.
في هذه الأثناء، يبدو من مواقف المسؤولين الأميركيين أنه، وعلى الرغم من إعلان الولایات المتحدة أنها تدعم إسرائيل، إلا أنها لا توافق على هجوم عسكري مضاد من جانبها على إيران، ولن تشارك فيه. وفي هذا السیاق، قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لشبكة «سي إن إن» إن الرئيس الأميركي جو بايدن، أوضح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن الولايات المتحدة لن تشارك في أيّ هجوم ضدّ إيران. کما نقلت شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية عن مصادر مطّلعة (لم تسمّها)، قولها إن «بايدن أعرب سرّاً عن قلقه من أن نتنياهو يحاول جرّ واشنطن إلى صراع أوسع». وعلى رغم أن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، دان الهجمات الإيرانية على إسرائيل، إلا أنه أكّد أيضاً أن أميركا لا تسعى إلى الحرب مع إيران، لكنها لن تتردّد في التحرّك لحماية قواتها ودعم الدولة العبرية. ومن جهتهم، يعتقد العديد من المراقبين والمحلّلين للشؤون العسكرية، أنه إذا لم تشارك الولايات المتحدة، فمن الصعب أن تتمكّن إسرائيل من الدخول في حرب واسعة النطاق مع إيران.