غزة | تجلس على حجر من الطوب وأمامها موقد النار الذي تطهو عليه طعام صغارها، وأثناء ذلك تجهّز الملابس المتسخة من أجل غسلها على يديها، ومن أمامها إحدى طاولات الدراسة حيث تضع أواني الطبخ بعد تنظيفها. هذا حال معظم نساء قطاع غزة في أماكن نزوحهن ومراكز الإيواء. تقول هبة التتر التي تقطن في خيمة صغيرة بعدما دمّر الاحتلال منزلها: «بعدما نزحت وتنقّلت من مركز إيواء إلى آخر، استقر بي الحال في هذه الخيمة التي لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء». وفيما تبلّل وجهها وشيئاً من ملابسها لتخفّف عن نفسها حرارة الطقس، تضيف المرأة ذات الـ38 عاماً، في حديثها إلى «الأخبار»: «هنا، لا نعلم كيف نتقي موجة الحر هذه. في داخل الخيمة حرارة كحرارة الفرن لا تطاق، وفي خارجها هواءٌ لا تُحتمل سخونته». وتتابع: «أكبر معاناة هي أن تعيش بعيداً عن موطن سكنك وأُنسك وأمانك، وأن تجد نفسك كل فترة في مكان. نسأل الله الرحمة والخلاص من الحرب». وتقول هدية خالد (40 عاماً)، بدورها، إن «الحياة في ظل الحرب أصبحت لا تطاق». وتتابع في حديثها إلى «الأخبار»: «لا ماء ولا كهرباء ولا حتى خصوصية. كامرأة تعيش في مركز إيواء فيه غرفة مشتركة مع الآخرين، يستمع هؤلاء إلى قصصك وحواراتك وكل أمور حياتك، فضلاً عن أن الحمام مشترك، فيما تحتاج فيه المرأة إلى بعض الخصوصية، وخاصة في وقت الدورة الشهرية». وتضيف: «أصبح دخول الحمام يشكّل معاناة يومية بالنسبة إلينا. تجدين أمامك طابوراً ينتظر الدخول، وكل واحد يطرق الباب يستعجل الدور. فما بالك لو كان أحدنا يستحمّ؟ الله المستعان». وهنا، تشير إلى يديها، وتقول: «انظري إلى هاتين، لتحدّثاك عن المعاناة. أصابتهما الجروح من جراء غسيل الملابس، وتنظيف الأواني، واتّشحتا بالسواد من كثرة الطبخ على النار»، مستذكرة بأنها قبل الحرب «كانت تحرص على ترطيب يديها والمحافظة على نعومتهما، فيما أصبحتا بعد الحرب تشبهان يدَي عجوز».
في داخل الخيام حرارة كحرارة الفرن لا تطاق، وفي خارجها هواءٌ لا تحتمل سخونته


من جهتها، توضح علياء الفسيس، أن أكثر ما تعانيه هو «الفقد للأحباب الذين سبقونا إلى الدار الآخرة»، بالإضافة إلى «فقد البيت الذي بُنِي بعرق الجبين». وتضيف، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «التشرد والتنقل من مكان إلى آخر، خوفاً من القصف والاستهداف الذي تضغط فيه على نفسك رغم حالة الخوف والرعب التي في داخلك، ليسا إلا من أجل أطفالك»، مضيفة أن «أكبر معاناة كانت عندما يطلب أطفالي الطعام ولا أقوى على توفيره، فضلاً عن المعاناة اليومية في توفير المياه والحطب، إذ يخرج زوجي من بداية النهار ليلتقط الأخشاب من أجل الطهو على النار، ويقف في طوابير كي ينقل إلينا غالونات المياه». وتتابع: «أصبحنا نعاني في كل شيء»، مشيرة، على سبيل المثال، إلى «ندرة المواصلات وغلاء ثمنها»، قائلة إنها «في إحدى المرات، توجّهت من منطقة الكرامة شمال غزة إلى مشفى الشفاء الطبي لعلاج طفلتي مشياً على الأقدام لأنني لم أجد سيارة تقلّني إلى هناك». وتختم علياء برسالة وجّهتها إلى دول العالم، قائلة: «حسوا فينا، انظروا بعين الرأفة إلى أطفالنا ومعاناتهم وجراحاتهم».
أما أماني خليل (39 عاماً)، فتوجز المعاناة بأن «ما يعيشه أهل غزة مذْ بدأت الحرب وحتى الآن ليس بحياة طبيعية؛ فلا ماء ولا كهرباء ولا حتى غذاء». وتقول: «ما إن تشعر أنك في حالة استقرار حتى يدخل الاحتلال المنطقة، فتضطر للنزوح تاركاً كل شيء وراءك على أمل العودة إلى أخذ أغراضك، ثم تجد المنزل قد نُسف فتفقد ما جمعته من كساء وغذاء رغم قلّته». وتلخّص إسلام محمود (33 عاماً)، من جانبها، المعاناة، في الأعمال اليومية، بالقول: «نقوم بتجهيز الطعام وإشعال النار وما يرافق ذلك من مشقة الحصول على الحطب، والغسيل على اليد والدعك وما يسبقهما من معاناة الحصول على الماء الكافي، فضلاً عن معاناة العجن للخبز وتجهيزه وخبزه على النار. كل ذلك على يدي التي أعاني فيها من مشكلة في الأعصاب».
وعلى المنوال نفسه، تقول نازحة غزيّة، فضّلت عدم ذكر اسمها، في حديثها إلى «الأخبار»، إن «المعاناة الفعلية بدأت يوم استهدف الاحتلال منزلي في اليوم الثالث للحرب، فنزحت إلى مستشفى القدس الذي كان يؤوي 15 ألف نازح»، مشيرة إلى أنه «لا خصوصية ولا مكان لتضع قدمك فيه، فيما يحتاج دخول الحمام إلى حجز كي تأخذ لك دوراً». وتضيف: «عانينا هناك ندرة في المياه والغذاء، فضلاً عن انتشار الأمراض، حتى أجبرنا الاحتلال على النزوح إلى منطقة دير البلح». وتصف النازحة، استشهاد زوجها بـ«المعاناة الكبرى»، قائلة إن «الاعتماد على ذاتي في تلبية احتياجات أبنائي أصبح كبيراً. ورغم توفرها إلا أن أسعارها باتت باهظة الثمن ولا أقوى على شرائها»، مشيرة، في الوقت نفسه، إلى «المعاناة من الأوبئة، التي سبّبها جريان مياه الصرف الصحي في الشوارع وتراكم القمامة والحشرات، وخاصة التهاب الكبد الوبائي الذي انتشر بين الغزيين».