عُقاب كرة السلة العالمية جريح، والأرض تهتزّ تحت أقدام الولايات المتحدة الأميركية. في عام 2004، وقع فريق كرة السلة الأميركي في فخّ الغطرسة والاعتداد بالنفس والفردية، وهاجس تفوّق الاسم العائلي الذي يوضع لكلّ نجم على قميصه، على اللعبة الجماعية. تطورت كرة السلة العالمية بشكل كبير، وفريق الولايات المتحدة الأميركية عاد بخفيّ حنين من أولمبياد أثينا (2004). دورة أثينا مثّلت أول مسابقة دولية للولايات المتحدة الأميركية بعد الهجوم على برجَي مركز التجارة العالميين. في تلك الأيام، لم تكن المنافسات الرياضية قد تجاوزت الصدمة التي أحدثتها الهجمات الإرهابية في خضم الحرب الأميركية على العراق. حينذاك، امتنع فريق كرة السلة وعدد كبير من اللاعبين الأميركيين، عن الإقامة في القرية الأولمبية ككل الرياضيين، بل فضّلوا عليها باخرةً كبيرةً محميةً من الجيشين الأميركي واليوناني. كان زمناً صعباً، ترك بصمته على الأوضاع السياسية والاجتماعية، ولم يوفّر البيئة الرياضية. في بداية الألفية الجديدة، وجدت أميركا نفسها بحاجة إلى الدفاع عن ألوان الأمة، فهذا التحدي يتخطّى مسألة التعطش للمجد والسمو والفخر، ليستحيل قضيةً سياسيةً وتسويقيةً.
وثائقي «فريق الخلاص» (2022) يروي قصة النهوض والثأر وعودة الهيبة بعد الإخفاقات الكبيرة التي مُنيت بها كرة السلة الأميركية.
كان الأمر محرجاً في ذلك العام عندما خسر المنتخب الأميركي أمام الأرجنتين في الدور نصف النهائي من الألعاب الأولمبية الصيفية في أثينا. وقبل ذلك، كان قد خسر أمام بورتوريكو وليتوانيا في دور المجموعات. وقتها، كان مدرب الفريق لاري براون (مدرب العديد من الفرق في الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين - NBA)، وكرة السلة الأميركية في طور البحث عن صوتها ومكانتها. فمايكل جوردان كان قد تقاعد في العام السابق، لحقه أيضاً العديد من معاصريه، وخضع الدوري الأميركي للمحترفين لتغيير جذري، فيما بدأ جيل جديد بالظهور. إلى جانب ذلك، لم يكن اللعب للمنتخب الوطني الأميركي، أمراً رائعاً كما كان خلال «فريق الأحلام» عام 1992. كلّنا يتذكّر كيف تغلّب هذا الفريق على الجميع وحوّل فرق أولمبياد برشلونة إلى «أشلاء». كان يتألف من أسماء كبيرة من وزن جوردان، وسكوتي بيبين، وماجيك جونسون وتشالز بارلكي وكارل مالون وغيرهم، وكانت المباريات بالنسبة إليه، بمثابة حصة تدريبية، وفاز بالميدالية الذهبية بسهولة واستمتاع.
شُكّل فريق لاري براون لعام 2004 بطريقة ثنائية. من ناحية، استدعى بعضاً من اللاعبين الكبار، ولكن لم تأت النجوم باستثناء الين أيفرسون وتيم دانكن وستيفون ماربوري. وإلى جانبهم، استدعى أفضل الشباب، فئة 2003، بعد موسمهم الاحترافي الأول أمثال كارمويلو أنتوني ودواين وييد وليبرون جايمس. هؤلاء الشباب لم يتحمّلوا براون لأنه اصطحبهم إلى الأولمبياد ولم يشاركوا فيه إلا قليلاً، بل جلسوا يشاهدون الفريق يتكبّد الخسائر المحرجة. بعد هزيمة أثينا المدوية، قرّر الاتحاد اتخاذ خطوات جذرية. منح جيري كولانجيلو السيطرة الكاملة على المنتخب الوطني. هو فقط الذي يستطيع أن يقرر من سيدعو إلى الفريق، شرط أن يلتزم كل مدعو للمشاركة، بالفريق لما لا يقل عن ثلاث سنوات، ويشارك في كأس عالم 2006 وأولمبياد 2008. استدعى جيري المدرب مايك كرزيزيوسكي، أعظم مدرب على قيد الحياة في دوري الجامعات. هو ذاته الذي درّب «ديوك» من عام 1980 إلى عام 2002، وفاز ببطولات كثيرة واكتشف لاعبين مهمين أمثال غرانت هيل وكيري ارفينغ وغيرهم. بدأ كرزيزيوسكي ببناء الفريق. ضمّ كارمويلو أنتوني، ودواين وييد، وليبرون جايمس. وجاء كريس بول، وجايسن كيد، وكريس بوش ثم كوبي براينت (1978 – 2020) في اللحظة الأخيرة وغيرهم. أعاد كرزيزيوسكي بناء ثقافة الفوز والانتماء إلى الأمة من الأسفل إلى الأعلى. ومن أوّل الأشياء التي فعلها كرزيزيوسكي (وصل إلى رتبة ضابط في الجيش ثم درب الفريق العسكري لمدة خمسة أعوام)، هو دعوة جندي أو قائد عسكري كبير للتحدث إلى اللاعبين حول الوطنية والفخر الأميركي. أدرك كرزيزيوسكي أنّ المهارات لا تنقص المنتخب الوطني، لأنّ معظم اللاعبين البدلاء وحتى أضعف فريق في الدوري الأميركي للمحترفين، يمكنهم هزيمة أي فريق في العالم. المشكلة إذاً: كيف يحوّل هؤلاء النجوم إلى فريق واحد يعمل بتعاضد من أجل هدف واحد هو الوصول إلى أولمبياد بكين والعودة بالميدالية الذهبية.
مسلّحاً بالبنية الكلاسيكية لهذا النوع من الوثائقيات، يقدم «فريق الخلاص» سرداً موجزاً لعلاقة فريق كرة السلة الأميركي بالمسابقة الأولمبية عبر التاريخ. يصوّر «الأنا» بصراحة تامة، والتغيّر في العقلية والمواقف التي كان على نجوم الدوري الأميركي للمحترفين اتخاذها لتشكيل فريق حقيقي. يروي، بطريقة عملية، كيفية ولادة فريق جديد من جهة، ومن جهة أخرى يعدّ تمجيداً كبيراً للبلاد، بطريقة نموذجية جداً للأميركيين، ليصبح صورةً عن مجموعة متماسكة جداً من اللاعبين الملتزمين بمشروع وطني يتم سرده بأفضل طريقة ملحمية يمكن أن نتخيّلها. يحاول الشريط أن يتصرف بشكل تحفيزي مع التحدي والحقد والمثابرة والضحك والعمل الجماعي، ويعمل كفيلم ترفيهي وتعليمي لمشاهدي جيل كوبي براينت وليبرون جيمس. الفيلم يحمل توقيع جون وينباخ، الذي يرتبط اسمه بسلسلة «الرقصة الأخيرة» (2020 - السلسلة الوثائقية التي أنتجتها نتفلكس، التي تسرد سيرة أهم لاعب كرة سلة في العالم، أي مايكل جوردان). لذلك، من جهة، يحاول «فريق الخلاص» أن يكون «الرقصة الأخيرة»، لكنه لم يقترب حتى من عمق قصة جوردان ودراميّتها. من جهة ثانية، يحاول أن يكون نسخة عن وثائقي «فريق الأحلام» (2012)، الذي يسرد قصة المنتخب الأميركي الأكثر شهرةً في تاريخ اللعبة، لكنّه أيضاً لا يقترب كثيراً منه بسبب غياب الكاريزما والعمق الموجودين لدى اللاعبين القدامى.
بعيداً عن كل ذلك، لا يمكن إغفال أنّ «فريق الخلاص» يعدّ تحية تقدير واحترام من اللاعبين إلى كوبي براينت (ليبرون جيمس ودواين وويد شاركا في الإنتاج). لا يذكر الفيلم حادثة وفاة براينت، لكنّ الطريقة التي روى فيها مجيء براينت كمخلّص، والمشاهد التي رأيناه فيها مع أسرته، وفي بعض المقابلات التي تتحدث عنه وتحدث هو فيها بكثير من المشاعر... كلّها عناصر تؤكد أنّ اللاعبين يكنّون مودةً وحباً كبيرين لأحد أهمّ لاعبي كرة السلة في العالم. كان الفيلم واضحاً في طرح فكرة أنّ مجيء كوبي إلى المنتخب، كان تحدياً ذا شقّين: من جهة، كان براينت يحتاج إلى تلميع صورته وإجراء تغيير جذري في حياته المهنية التي اهتزت بفعل فضائح جنسية عدة، وأيضاً رحيل شاكيل اونيل المثير للجدل عن فريق «لوس انجلس ليكيز». من جهة ثانية، كان براينت يحتاج إلى إقناع منتقديه والمشككين به أنّه يمكنه أن يضع أرقامه القياسية جانباً ويصبح جزءاً من مجموعة هدفها فقط رد الاعتبار لكرة السلة الأميركية.
وبعيداً عن الوثائقي، لا بد من طرح سؤال في النهاية: هل ليبرون جيمس يحاول، بطريقة ما، نسخ حياة مايكل جوردان ومهنته؟ لقد ظهر في فيلم «سبيس جام: إرث جديد» (2021) في دور البطولة (تكملة لفيلم «سبيس جام»/ 1996 الذي ظهر فيه مايكل جوردان مع شخصيات لوني تونز)، وقام بتمويل وثائقي مع صانعي فيلم «الرقصة الأخيرة» عن نجاحات فريقه الوطني. لكن، بينما كان «الرقصة الأخيرة» ينقل أفلام كرة السلة إلى مستوى جديد، و«سبيس جام» يحقق نجاحاً كبيراً، لا يزال «سبيس جام: إرث جديد» تجربة غير موفقة، و«فريق الخلاص» دون العادي، وليبرون جيمس أقلّ نجاحاً من مايكل جوردان!
¶ The Redeem Team على نتفليكس