يحوز تشيلسي اهتمام الوسط الرياضي للموسم الثالث على التوالي. الانتقال «القسري» لملكية النادي قبل عامين على خلفية «سياسية» صوّبت الأنظار على الفريق، واتسعت دائرة الضوء بعدها مع الملّاكين الجدد. ملايين صُرفت على صفقاتٍ ضخمة لم تعُد على النادي بنجاحٍ نوعي كما كان مُخططاً، حيث أنهى تشيلسي موسمه في المركز الثاني عشر محلياً دون تحقيق أي لقب. ومع قص شريط سوق الانتقالات الصيفي الحالي، فتحَ المالك تود بولي وشركاؤه فصلاً جديداً، أملاً بالعودة إلى المسار الصحيح.تم تعيين الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو على رأس العارضة الفنية للفريق، بعد دراسة طويلة من قبل الإدارة حول المدرب الأفضل لقيادة المشروع. في النهاية، رسا القرار على بوكيتينو المعروف ببنائه فرقاً ناجحة قوامها الشباب، قادرة على المشاركة في دوري أبطال أوروبا بالحد الأدنى. ورغم عدم بدئه العمل بشكل رسمي حتى بداية الشهر المقبل، كانت لبوكيتينو قرارات مهمة من تحت الطاولة.
باتت الإدارة على دراية بمتطلبات مدربها الأرجنتيني في سوق الانتقالات، وانصبّ العمل في الأسابيع الأخيرة على عملية بيع اللاعبين بالدرجة الأولى امتثالاً لقوانين اللعب المالي النظيف، قبل تدعيم المنظومة بأسماءٍ جديدة. هنا، واجهت تشيلسي مشكلة كبيرة.
كان الفريق مطالباً بالتخلص من أكثر لاعب في فترة قصيرة لكي يوازي دفاتره الحسابية، خاصةً أن الخسائر المالية لموسم 2021 -2022 بلغت 154 مليون دولار تقريباً تبعاً لبيان صادر عن النادي. كانت الصعوبة في معرفة باقي الأندية لحاجة تشيلسي في البيع، ما قلّل من القيمة التسوقية للاعبي «البلوز» خاصةً أولئك الذين شارفت عقودهم على الانتهاء أو الذين بلغوا الأمتار الأخيرة من مسيرتهم الكروية. ومع ذلك، «تخلّص» الفريق من اللاعبين الذين لا يحتاج إليهم المدرب الجديد بسرعة وبمبالغ جيدة، ما أثار بلبلة في الوسط الرياضي تبعاً للوجهة. معظم لاعبي تشيلسي حطّوا رحالهم في السعودية، ما جعل البعض يعتقد بوجود علاقة «مشبوهة» بين صندوق الاستثمارات العامة المالك لنادي نيوكاسل ومجموعة «Clearlake Capital» المملوكة من تشيلسي، خاصةً أن هناك استثمارات مشتركة بين الطرفين تبعاً لتقارير مختلفة.
ترأّس «نجم» كرة القدم الإنكليزية غاري نيفيل قائمة المشكّكين، ودعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تنظيم الأمور في أسرع وقت ممكن «لإيقاف هذه النماذج في حال كانت غير سليمة».
إضافةً إلى ذلك، سلّط تقرير لصحيفة «ذي أثلتيك» البريطانية الضوء على سعي تشيلسي للتحايل على قوانين اللعب المالي النظيف من خلال بيع نجومه الفائضين عن الحاجة مقابل رسوم مبالغ فيها إلى أندية الدوري السعودي للمحترفين. إجراءٌ يعود بالمنفعة على الطرفين تبعاً للتقرير، حيث يوازي تشيلسي حساباته من جهة ويحمي صندوق السعودية استثماراته في مجموعة «Clearlake Capital» من جهةٍ أخرى، خاصةً تلك المتعلقة بسلسلة فنادق مع إحدى الشركات التابعة لبولي.
رغم مزاعم الفساد، لا يوجد دليل ملموس حتى الآن على عدم شرعية الإجراءات المتّبعة. بالتعمق في الأرقام، يظهر أن عمليات البيع جاءت بشكل قانوني وشفاف. وقّع أنغولو كانتي على سبيل المثال لنادي الاتحاد رغم رغبة تشيلسي في الحفاظ عليه، في حين من المتوقّع أن ينتقل حكيم زياش وخاليدو كوليبالي وإدوارد ميندي إلى الدوري السعودي برسوم لا تتجاوز بمجموعها الـ50 مليون يورو. بالطبع، استفاد تشيلسي من «اتصالاته ومعارفه»، لكنه لم يتخطَّ أي قانون في كرة القدم، بل إنه باع لاعبيه مقابل رسوم معقولة كي يقلل فاتورة الأجور ويوازي دفاتره الحسابية تباعاً قبل استقدام لاعبين جدد، تماشياً مع متطلبات قانون اللعب المالي النظيف.
لم يُجبر تشيلسي أي لاعب كي يوقّع مع أندية السعودية. استغل «البلوز» ببساطة رغبة المملكة في استقدام لاعبين «عالميين» للإضاءة على الدوري الخاص بها، مقابل استفادة الذين غادروا قلعة ستامفورد بريدج من أجورٍ ضخمة في محطتهم الكروية الأخيرة ربما.
تجدر الإشارة إلى أن تشيلسي استفاد من بيع لاعبيه إلى المنافسين المباشرين في الدوري أكثر من الاستفادة من السعودية، إذ يقترب ماتيو كوفاسيتش وكاي هافرتز من الانتقال إلى مانشستر سيتي وآرسنال تباعاً مقابل مبلغ يلامس الـ100 مليون جنيه استرليني سوياً، دون إغفال سعي مانشستر يونايتد للتوقيع مع مايسن ماونت (يمتلك عاماً واحداً في عقده) مقابل 55 مليون جنيه إسترليني على أقل تقدير.

مشروع طويل الأمد
بعد عمليات البيع، سوف تركّز الإدارة على الأسماء المستقدمة. يستهدف تشيلسي تدعيم خطّي الهجوم والوسط بالدرجة الأولى عبر لاعبين شباب واعدين، مع اقتراب التوقيع مع مهاجم فياريال نيكولاس جاكسون ومتوسط ميدان برايتون مويزيس كايسيدو، كما قد يتم استقدام حارس مرمى جديد.
لن يتوقّف نشاط النادي على ذلك، بل إن هناك تركيزاً على مشروع طويل الأجل لتعزيز العلامة التجارية. في هذا الإطار، استحوذ تحالف «Blue Co» الذي اشترى تشيلسي على نادي ستراسبورغ الفرنسي، وسط مساعٍ للسير على خطى أندية أخرى مثل مانشستر سيتي المالك لحصص في العديد من الأندية حول العالم، ولايبزك الذي يشارك فريق سالزبورغ تحت ملكية «ريد بول». هناك فرصة للتطور من خلال شراء أندية تصبح داعمة للفريق «الأم» وتزوده باللاعبين الناشئين والشباب، مع تعزيز قيمته وعلامته التجارية تباعاً.
تشيلسي على الطريق الصحيح. الموسم الأول كان «تجريبياً» على أن يكون الحكم بدءاً من الموسم المقبل. اعتماد نموذج شاب مع تعددية الأندية بهدف تمويل المنظومة الرئيسية مستقبلاً يؤشر إلى مشروع مستدام وواعد. يبقى السؤال حول المقدرة في حصد الألقاب التي تعكس وحدها معايير النجاح بالنسبة إلى فرق النخبة.