عندما يقرّر أحد مشاهير الشاشة أو الكرة أو السياسة أو غيرهم، إنجاز فيلم عن نفسه، ينتهي الأمر غالباً بشريط يهدف إلى تبجيل الذات... و«أرنولد» (2023) لا يحيد عن هذا الدرب.يبدأ الوثائقي بصوت أرنولد شوارزنيغر (1947)، ثم يُظهر وجه النجم الجالس على كرسيه، مُبتسماً بفخر واعتزاز، بينما يشعل سيجاراً ضخماً. نجم «تيرميناتور» الثري والمفتول العضلات، يبدأ بعرض انتصاراته أمامنا بينما يواصل التدخين وشرب الويسكي. قد تكون هذه الصورة نمطية نوعاً ما أو «كليشيهاً»، لكنها حقيقة هنا، وأرنولد هو تماماً كما يصف نفسه: وُلد ليفوز، ويتغلّب على العقبات، وينتصر دوماً. لا أحلام لديه، بل رؤى يحققها دائماً. في ثلاث حلقات، يخبرنا أرنولد عن رؤياه، عن حياته، وطفولته في النمسا، عن حلمه بالسفر إلى الولايات المتحدة حين صار شاباً، وطبعاً عن إنجازاته ونجاحاته في رياضة كمال الأجسام والسينما والسياسة.
يستفيد «أرنولد» من التطور الواضح في مسيرة شوارزنيغر منذ بداياته وصولاً إلى وضعه اليوم. الحلقة الأولى «رياضي»، تركّز على عالم كمال الأجسام (بطل مستر أولمبيا 7 مرات) حين انتقل شوارزنيغر من كونه طفلاً يعيش في بيت مضطرب، مع أم مهووسة بالنظافة ووالد عسكري مسيء وصارم، إلى شاب واعد تمكّن من الهروب من وطنه مطارِداً رؤياه.
الحلقة الثانية «ممثل»، تركز على مهنة أرنولد في التمثيل، وفشله في البداية، ثم إصراره على إيجاد مكانته في هوليوود، وأول نجاح هائل أحرزه عام 1982 مع «كونان الهمجي»، ثم دوره الأشهر عندما تحوّل إلى آلة قتل مثالية في «ذا ترميناتور» (1984) وأرعب العالم. هذا الدور كان فاتحة حظّه السعيد، إذ توالت نجاحاته ومبارزاته القاسية مع نجم ثمانينيات آخر هو سيلفستر ستالون. في الجزء الثاني، يخبرنا أرنولد عن لقائه بماريا شيفر وزواجه منها، وإعجابه برونالد ريغان وجراحة القلب المعقدة التي كادت أن تنهي حياته، وكيف أصبح مليونيراً باستثمارات عقارية، ومن ثم حصوله على الجنسية الأميركية. وأخيراً تأتي الحلقة الثالثة «سياسي»، لتقارب نشاطه السياسي منذ ترشّحه لمنصب حاكم كاليفورنيا للمرة الأولى، وعمله السياسي، واستراتيجيته الانتقائية وأيديولوجيته لإغواء زملائه الجمهوريين، وكذلك عدد قليل من الديمقراطيين للتصويت له.
ثلاث ساعات أمضاها شوارزنيغر وهو يحكي روايته الخاصة أمام الكاميرا وخارجها


نحن أمام فيلم وثائقي كلاسيكي عن سيرة ذاتية، كل شيء فيه باهت وسريع الزوال. ثلاث ساعات أمضاها شوارزنيغر وهو يحكي روايته الخاصة أمام الكاميرا وخارجها. بعيداً عن الاستخدام الجيد للمواد الأرشيفية، يضمّ الشريط أيضاً شهادات أولئك الذين عرفوه، وكلّهم يتحدّثون عن عظمة هذا الرجل. من الواضح أنّه تم طمس الجوانب المظلمة في سيرة أرنولد، لصالح جوانب حياته الفنية والشخصية الناجحة. حتى الفضائح التي لا تخلو حياة المشاهير منها، نراها من زاوية منحازة، هي زاوية أرنولد نفسه، حتى بدا كأنّ الوثائقي كلّه في غير محله، ولا حاجة إليه من الأساس، لأن ما نراه معروف للجمهور: إحصائيات وأرقام قياسية وميداليات وكؤوس حفظتها الأجيال التي تابعت أفلام النجم الأسمر.
«أرنولد» وثائقي رسمي جداً، لم يقارب الجوانب الإشكالية في حياة البطل إلا بشكل سطحي وعرَضي، فما يهمّ هنا هو تمجيد النجم الهوليوودي، وبطل الـ «بادي بيلدينغ»، والرجل السياسي... إنّه أيضاً المهاجر الذي عاش «الحلم الأميركي»!
Arnold على نتفليكس