عندما لامست الأندية الإيطالية «شبح» الإفلاس في السنوات المنصرمة، كان يوفنتوس يصول ويجول على منصات الألقاب المحلية. سلسلة كؤوس متنوعة توّجها «اليوفي» بتسعة ألقاب دوري متتالية بين عامَي 2011 و2020، جعلت من نادي «السيدة العجوز» عدّاءً في سباقٍ منفرد. لم ينافس يوفنتوس إلا نفسه خلال تلك الفترة. لا مواجهة من الأندية الشمالية المعتادة، ولا صحوة من فرق الجنوب. كان الطريق ممهداً أمام «يوفي» للتربع على عرش الكرة الإيطالية. وبعد الاحتكار وبسط السيطرة، أراد القيمون على النادي سحب «المجد» إلى أوروبا، في محاولةٍ «مجنونة» للفوز بلقب دوري الأبطال للمرة الأولى منذ موسم 1995 ـ 1996.هكذا، اتبعت الإدارة سلسلة سياسات مختلفة، بدءاً من التوقيع مع مواهب واعدة مروراً بتغيير أسلوب اللعب والميل للجمالية الهجومية عبر استقدام مدربين يراعون متطلبات كرة القدم الحديثة، أمثال الإيطالي ماوريتسيو ساري. ومع إعادة الهيكلة، فتحَ النادي خزائنه ووقع مع عدد من لاعبي النخبة، أبرزهم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي مثّل استقدامه عام 2018 مقابل 117 مليون يورو أولى الضربات لدفاتر النادي المحاسبية. قسمت الصفقة إدارة اليوفي بين مؤيدٍ ومعارضٍ حينها. رأى بعض الإداريين بالمهاجم رونالدو حلاً جذرياً لفك شيفرة دوري الأبطال، في حين أعرب البعض الآخر عن قلقهم تجاه قيمة الصفقة الباهظة، مع حُؤولها دون إمكانية تطوير لاعبين آخرين كان يُنظر إليهم بأنهم مستقبل الفريق، مثل باولو ديبالا ودوغلاس كوستا.
في النهاية، حطَّ «ابن ماديرا» رحاله في تورينو، وترافق الأمر مع استقالة عدد من الإداريين الذين تمسكوا بإيمانهم بسلبيات الصفقة، خاصةً على الصعيد المالي. فنياً، كان رونالدو أحد أبرز التوقيعات في تاريخ يوفنتوس. «مزّق» كريستيانو شباك الخصوم الإيطاليين، دون أن يتمكن من قيادة الفريق إلى الأدوار المتقدمة على الساحة الأوروبية. ببساطة، حوّل رونالدو فريق يوفنتوس من بطلٍ إيطالي محلي يضم أكثر من هدّاف، إلى بطلٍ إيطالي يمتلك هدّافاً أساسياً.
وصلت خسائر يوفنتوس موسم 2021-2022 إلى 254 مليون يورو


ومع الفشل في البروز الأوروبي بالدرجة نفسها حتى التي عرفها يوفنتوس قبل استقدام رونالدو، بدأ ناقوس الخطر يُقرع إثر انخفاض العائدات الأوروبية. زاد الطين بلة التراجع المحلي لصالح قطبي ميلان ومن خلفهما ممثل الجنوب الأبرز، نابولي، بالتوازي مع الأزمة المالية التي ضربت القطاع الكروي ككُل بفعل تداعيات فيروس كورونا. وبِلُغة الأرقام، وصلت خسائر يوفنتوس في الموسم 2021-2022 وحده إلى 254 مليون يورو، وهو رقم يفوق عائدات النقل التلفزيوني للنادي طوال ثلاث سنوات.
تكدّست تلك الأزمات حتى انفجرت قبل عامٍ تقريباً. اعتلى يوفنتوس حينها العناوين العريضة حيث أُدين بفضيحة تتعلق بمكاسب رأس المال «plusvalenza»، وهو مصطلح محاسبي للربح المحقّق من بيع أحد الأصول مثل الأسهم أو السندات أو العقارات. ثبُتَ تلاعب يوفنتوس بمكاسب رأس المال لمجابهة الخسائر بعد أشهر من التحقيق، وانتهى الأمر بخصم 10 نقاط من رصيده في الدوري بعد جلسة استماع لمراجعة عقوبته السابقة (15 نقطة)، ليتراجع على خلفية ذلك من المركز الثاني إلى السابع ويشارك تباعاً في بطولة دوري المؤتمر الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، تم إيقاف المدير الرياضي للنادي فيديريكو تشيروبيني لمدة 16 شهراً، وبعض عناصر مجلس الإدارة السابقة التي استقالت في تشرين الثاني، بمن فيهم الرئيس السابق أندريا أنييلي والمدير التنفيذي السابق ماوريتسيو أرافابيني لمدة سنتين، نائب الرئيس السابق بافيل نيدفيد لثمانية أشهر والمدير الرياضي السابق فابيو باراتيتشي 30 شهراً. وقرر الاتحاد الإيطالي لكرة القدم في الأسبوع الماضي إيقاف أنييلي 16 شهراً عن جميع المناصب المرتبطة باللعبة، لدوره المزعوم في قضية «plusvalenza».

طوق نجاة
في ظل الأزمة العاصفة بأسوار النادي، أصبح لزاماً على يوفنتوس تسوية الأمور بطريقةٍ أو بأخرى. ووفقاً لصحيفة «Corriere dello Sport»، توصّل اليوفي إلى اتفاقٍ مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يقضي بعدم مشاركته في دوري المؤتمر الموسم المقبل في محاولةٍ لتجنب أي عقوبة أخرى، وعلى وجه الخصوص، تجنب أي عقوبات قد تقضي على طموحاته في لعب مباريات دوري أبطال أوروبا موسم 2024-2025. تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء ليس جديداً من نوعه، إذ سبق وأن أقدَم عليه ميلان قبل بضع سنوات.
وضمن إجراءات أخرى لمحاولة النهوض، أعاد يوفنتوس هيكلة إدارتِه فعيّن كريستيانو جيونتولي من نابولي كمدير رياضي جديد حتى عام 2028، تحت إشراف ماورتسيو سكانافينو، الرئيس التنفيذي. وسيتولى جيوفانا مانا دور مدير الفريق الأول، على أن يُقدم تقاريره إلى المدير الرياضي الجديد، كما أعلن اليوفي بأن فرانشيسكو كالفو سيكون المدير العام للإيرادات وتطوير كرة القدم وسيقدم تقاريرِه إلى الرئيس التنفيذي.
وعلى خطٍ موازٍ، يحاول يوفنتوس إعادة هيكلة منظومته. هناك سعي إلى التخلي عن عدد كبير من اللاعبين تبعاً للوسط الرياضي الإيطالي، قبل عملية ترميم مراكز الضعف بنفقاتٍ «معقولة». يرى مجلس إدارة يوفنتوس أنه لا يوجد لاعب في الفريق غير قابل للمس، حيث يسعى إلى تحقيق هدف ثانٍ وهو خفض فاتورة الأجور. ومن بين الأسماء التي لن يعارض يوفنتوس خروجها في حال وصول عرض مناسب: المهاجم الصربي دوسان فلاهوفيتش ونجم الفريق فيديريكو كييزا، إضافةً إلى المدافع المخضرم ليوناردو بونوتشي، وأليكس ساندرو، والحارس البولندي فويتشيك تشيزني. مقابل ذلك، جدّدت الإدارة عقد لاعب الوسط الفرنسي أدريان رابيو والمهاجم أركاديوش ميليك، كما تعاقدت مع تيموثي وياه لاعب نادي ليل الفرنسي في صفقة بلغت 12 مليون يورو.