تغيّرت كرة السلّة بشكل كبير على مرّ السنوات. فبعد أن كانت الأندية والمنتخبات تعتمد على اللاعبين فارعي الطول، أو كما يعرفون بـ«لاعبي الارتكاز» الكلاسيكيين، توجّهت اللعبة خلال السنوات الأخيرة نحو اللعب السريع Small ball التي تعتمد على التمريرات القصيرة والتوجه السريع من الدفاع إلى الهجوم. ولكن رغم ذلك بقيت أهمية لاعب الارتكاز حاضرة، شرط أن لا يكون لاعباً كلاسيكياً ينتظر الكرة تحت السلة فقط، بل أن يكون قادراً على التسديد من مختلف المسافات، والاختراق عند الحاجة.ويمكن القول إنه في مختلف الدوريات حول العالم، انتفت فكرة الاعتماد على لاعبي ارتكاز تحت السلة فقط، وبدأ الجميع يعتمد على اللعب السريع والاختراقات.
وربما يكون لاعب كرة السلة الأميركية ليبرون جيمس (206 سنتم) الذي سطع نجمه منذ عام 2003، ولا يزال مستمراً حتى اليوم، أكثر اللاعبين تكاملاً، حيث إنه أحدث ثورة في عالم كرة السلة، وغيّر بعض المفاهيم التي كانت سائدة، من خلال قدرته على اللعب في جميع المراكز، من صناعة اللعب (المركز 1) إلى التسديد والاختراق (المركزين 2 و3) واللعب تحت السلة (المركزين 4 و5). ومع استمرار تألق نجم لوس أنجليس ليكرز، يسعى عدد كبير من اللاعبين حول العالم إلى السير على خطاه، ليكونوا لاعبين متكاملين على أرض الملعب، وبالتالي يحظون بفرص أكبر للعب على أعلى مستوى. وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى لاعب سان أنطونيو سبيرز الجديد، الفرنس فيكتور ويمبانياما (2.24 سنتم) والذي ينظر إليه على أنه خليفة ليبرون جيمس. اللاعب فارع الطول، ليس لاعب ارتكاز كلاسيكياً، بل لديه قدرة على التسديد من مختلف المسافات، كما على الخروج بالكرة، وهذا ما جعله الرقم 1 في «درافت 2023»، المخصص لضم لاعبين جدداً إلى دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين NBA.
هناك 4 أو 5 لاعبي ارتكاز في لبنان تتنافس عليهم أندية الدرجة الأولى كل موسم


كل هذه التغييرات تخلق كرة سلة حديثة، وأكثر متعة وجماليّة، والأكيد أنها تضع اللاعبين أمام تحدي أنفسهم في الدرجة الأولى، كونهم باتوا مجبرين على تطوير قدراتهم على مختلف الصعد.
ولكن في وقت يكون اللاعبين فارعي الطول مجبرين على تطوير قدراتهم الهجومية، عبر تحسين تسديداتهم واختراقاتهم، يكون الجهد أقل على اللاعبين قصار القامة، خاصة وأن من لا يتجاوز طولهم الـ190 عادةً، لا يكونوا ملزمين بلعب دور لاعبي الارتكاز (مركزي 4 و5 تحت السلة)، بل تكون مسؤوليتهم في صناعة اللعب، والتسديد والاختراق عبر الأجنحة.
وفي لبنان تعتبر هذه الفئة الأكبر، كونه ليس هناك العديد من اللاعبين الذين يتجاوز طولهم المترين، على عكس أوروبا وأميركا.

(fiba)

ففي الدوري المحلي تتنافس الأندية الـ12 في الدرجة الأولى على 4 أو 5 لاعبي ارتكاز كحد أقصى، وهم علي حيدر (32 عاماً - 203 سنتم)، هايك غيوكجيان (33 عاماً - 203 سنتم)، كريم عزالدين (25 عاماً - 206 سنتم)، جيرارد حديديان (28 عاماً - 201 سنتم)، وبدرجة أقل نعيم راباي (26 عاماً - 206 سنتم). لاعبون مركزهم محفوظ مع أندية الطليعة خلال السنوات الأخيرة، وهم يعملون على تطوير قدراتهم ليكونوا لاعبين متكاملين، وليحجزوا مكانهم مع المنتخب في الاستحقاقات الدولية. وتكمن المشكلة في لبنان أنه لا يوجد من يخلف هؤلاء اللاعبين الذين بات بعضهم في الفصل الأخير من مسيرته، وهذا ما يمكن أن يؤثر على مستوى الأندية والمنتخب على حد سواء، خاصة الأخير الذي سيكون مطالباً مستقبلاً بضم مجنس طويل القامة، أو لاعب ارتكاز عصري، لسدّ فراغ غياب بعض اللاعبين خاصة علي حيدر وهايك.
ومن هذه الأهمية، يمكن تفهم لجوء بعض الأندية إلى إرسال كشافيها للمناطق اللبنانية البعيدة عن العاصمة كما في بلاد الاغتراب، للعثور على لاعبين فارعي الطول لضمهم وتطوير قدراتهم، كما فعل الرياضي أخيراً مع اللاعب بهاء ندّه (2019 سنتم ـ مواليد 2005)، حيث ضمه ويعمل على تطوير قدراته للاستفادة منه مستقبلاً. كما تكمن أهمية هؤلاء اللاعبين مع توقيع الأندية التي تنافس على بطولة لبنان والبطولات الخارجية مع لاعبي ارتكاز عصريين، كما فعل الرياضي بعد توقيعه مع الأسترالي ديوب ريث، والحكمة مع كليف الكسندر...
أهمية كبيرة للاعب الارتكاز العصري اليوم، والأكيد أن الأندية اللبنانية كما المنتخب، ستعمل جاهدة خلال السنوات القريبة المقبلة لإيجاد لاعبين في هذا المركز وتطويرهم، والبقاء في دائرة المنافسة.