ينقسم الناس إلى طبقاتٍ اجتماعية على أساس الثروة، المهنة، التعليم... وهي تصنيفات تنسحب غالباً إلى عالم الرياضة أيضاً بحيث تختلف تفضيلات الألعاب في ضوء الطبقة الاجتماعية التي يتبع لها الأفراد. تميل «الطبقة العليا» مثلاً إلى ممارسة رياضات لا تتطلّب احتكاكاً مباشراً كالتنس والغولف والفروسية والإسكواش، بينما يذهب أغلب رياضيّي «الطبقات الفقيرة» نحو الألعاب الجماعية ذات المخاطرة والصلابة مثل الملاكمة، كرة القدم وكرة السلة... هذه الرياضات «القاسية» تعكس واقع الصراع الطبقي-الرياضي بشكل أوضح من خلال إكسابها صفة «ألعاب شعبية».أهداف الرياضة نفسها تختلف بين طبقةٍ وأخرى، فروّاد البرجوازية وأبناء الأوليغارشيين يمارسون النشاط الرياضي بمعظمهم للقضاء على الفراغ بالدرجة الأولى، أما أبناء الطبقات الفقيرة فهم يعتبرون الرياضة بمثابة تأشيرة عبور إلى واقعٍ أقل بؤساً. يظهر ذلك جلياً في بعض أنظمة الجامعات التي تُقدّم لغير الميسورين منحاً تعليمية مقابل التدرج في الألعاب مثلاً. وبالطبع، تنحصر غالبية تلك المنح بالرياضات الشعبية، فأغلب أفراد الطبقات الفقيرة يتمتعون بقدرات عالية نتيجة رغبتهم بالتعلم والتوجه نحو الاحتراف، ما يجذب تلك المؤسسات للاستثمار بهم والاستفادة مستقبلاً جرّاء بيعهم إلى فرق احترافية كما يحصل في كرة السلة الأميركية «NBA» مثلاً، حيث يطغى اللاعبون من أصل أفريقي على اللعبة بعد دخولهم، بغالبيتهم، عالم الاحتراف من بوابة المنح الجامعية الرياضية. وفي كرة القدم، يتفوّق لاعبو أميركا اللاتينية وغيرهم من ذوي معدّلات الدخل المنخفضة على نظرائهم الأوروبيين، نظراً إلى اعتبارهم الكرة بمثابة طوق نجاتهم الوحيد من مخالب الفقر. تتجلى الصورة أيضاً عبر الجهود الجبارة التي يقوم بها اللاعبون الأفارقة تحديداً للوصول إلى العالمية رغم قلة الموارد، حتى إن منتخبات نخبوية استغلّت تلك الجهود وجنّست أصحابها لاعتلاء منصات الألقاب، كما حصل مع المنتخب الفرنسي عندما رفع كأس العالم عام 1998 بقيادة الجزائري الأصل زين الدين زيدان، و «مونديال» 2018 عبر كوكبة من الأفارقة المجنّسين.
من هذا المنطلق، يصعب الفصل بين التنشئة الرياضية والطبقة الاجتماعية، فالألعاب بجوهرها ترتبط بالثروة. ورغم أهمية الموهبة ضمن عالم الاحتراف، تتبدّد أحلام ذوي الدخل المنخفض في كثير من الأحيان على عتبة الواقع، بحيث تشكّل رسوم التنشئة والبروز جداراً يصعب اختراقه لدخول بعض الرياضات، مثل التنس والغولف... إذ يحتاج الفرد إلى الكثير من الأموال في عمر صغير لكي يتحضّر ويصبح محترفاً.

تعليل «سوسيولوجي»
حساسية المشاكل بين الرياضة والطبقات استوجبت وجود فرع في علم الاجتماع تحت مسمى علم الاجتماع الرياضي، الذي يعمل على الاهتمام بالدراسة العلمية لسلوك الأفراد والجماعات خلال ممارستهم للأنشطة الرياضية بمختلف أنواعها وتصنيفاتها، باعتبارها صورة من صور السلوك الاجتماعي الحراكي للمجتمع.
فئة قليلة قادرة على احتراف التنس أو الغولف نتيجة الحاجة إلى الكثير من الأموال للتدريب


والحراك الاجتماعي في علم الاجتماع الرياضي هو التغيّر في وضع الرياضيين والرياضيات بواسطة التصنيف الطبقي، بحيث يتّجه الحراك الاجتماعي الرياضي إلى الأعلى عند ارتقاء اللاعب/ة درجات السلّم الاجتماعي، مثل التحوّل من الهواية إلى الاحتراف أو الانتقال من نادٍ مغمور إلى آخر ذي شهرة واسعة، كما قد يتّجه الحراك الاجتماعي الرياضي إلى الأسفل فينزل الرياضيون/ات درجات السلّم الاجتماعي مقارنةً بالمرتبة التي كانوا عليها، مثل الذين اعتزلوا الممارسة الرياضية بسبب التقدم في العمر/الإصابة أو الذين انتقلوا إلى نادٍ أقل شعبية. وبحسب علماء الاجتماع، هناك دور مهم للحراك الاجتماعي في كيفية اختيار الفرد للأنشطة الرياضية التي يمارسها، تبعاً للأهداف الكامنة وراء تلك الممارسات (تحسّن في المعيشة، «برستيج»...).
هذا الصراع سيبقى مستمراً، وهناك من يريد إبقاء بعض الرياضات لأبناء الأغنياء فقط، في محاولة للسيطرة أكثر على الرياضة بشكل عام، والاستمرار في تحويلها إلى صناعة كاملة، وليس رياضة للترفيه، وبالتالي السماح للشركات الكبرى بتحقيق المزيد من الأرباح.