في أي بلد متطوّر كروياً أو يملك إمكانات ماديّة كبيرة لا يمكن أن يكون اعتماد نظام الـ«VAR» حلماً. هو أصبح من أساسيات كرة القدم في البلدان المتقدمة. لكن في لبنان قد يحق لأحد الحكام أن يعتبر هذا الأمر «حلماً»، بعد أن ينهي تجربة تطبيق نظام الـ«VAR» للمرة الأولى، تمهيداً لاعتماده في الدوري ابتداء من المرحلة السداسية بعد أشهر قريبة. سعادة الحكّام باعتماد تقنية الحكم المساعد، تأتي أيضاً بعد المراحل الكثيرة التي قطعها هذا الملف، في بلد يفتقر إلى أبسط «مقومات الحياة» لتطبيق أي تقنية، مع غياب الكهرباء الجيدة وإنترنت السريع وغيرها من المستلزمات...يوم الأحد الفائت على ملعب جونيه حضر الـ«VAR» للمرة الأولى في لبنان. شهدت مباراة العهد والراسينغ تجربة التقنية ولكن «Offline». ما يعني أن جميع إجراءات تطبيق نظام فيديو الحكم المساعد جرى تطبيقها، لكن من دون إشراك حكم اللقاء أو التدخّل في قراراته.
خلال المباراة جرى استعراض العديد من الحالات التي حصلت خلالها مباشرة، وتم التواصل بين حكّام غرفة الـ«VAR» والحكم الموجود أمام شاشة إعادات الحالات.
جاءت التجربة انطلاقاً من قرار اتحادي باعتماد نظام الـ«VAR» في الدوري اللبناني لموسم 2023-2024 بعد استكمال الإجراءات الطويلة والعديدة المفروضة من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، كونه الجهة الوحيدة المخوّل لها منح رخصة لأي اتحاد أو أي حكم لتطبيق نظام الـ«VAR».
مشوار العمل لإدخال تقنية الـ«VAR» إلى الدوري اللبناني جاء قبل أشهر عبر مراسلة الاتحاد اللبناني لنظيره الدولي مبدياً رغبته بتطبيق نظام الـ«VAR» في لبنان.
مسار طويل بدأ بتشكيل فريق عمل واجتماعات افتراضية مع مندوبين عن الـ«فيفا»، إضافة إلى ممثلين عن شركات تقوم بتصنيع معدات الـ«VAR» وهي معتمدة من قبل الاتحاد الدولي للعبة.
العمل سار على خطين الأول مع الـ«فيفا» لإنهاء الإجراءات المطلوبة وفق مسار محدد، والخط الثاني مع الشركات حيث جرى استقدام عروض من ثلاث شركات كبرى ورائدة في هذا المجال، قبل أن يتم اختيار إحدى تلك الشركات لإقامة تجربة على النظام قبل التعاقد معها.
النية لدى المسؤولين في الاتحاد كان تطبيقها خلال نهائي كأس الاتحاد أو الكأس السوبر، لكن هذا لم يتحقق لأسباب لوجستية تتعلّق بوصول المعدات وتخليصها، حتى وقع الخيار على الأسبوع الأول من الدوري.

التجربة الأولى
تم عرض الملاعب التي ستستضيف مباريات الأسبوع الأول ومواصفاتها والمسافات بين أرض الملعب وداخله، وجرى اختيار ملعب جونيه كون مساحته والمسافات بين المرافق ـ إضافة إلى مكان حافلة النقل التلفزيوني ـ تتوافق مع قياس الكابلات المرسلة للتجربة. وجرى تحديد يوم الأحد 6 آب كموعد لإقامة التجربة حيث صادف وجود مباراة الراسينغ والعهد على هذا الملعب.
تم اعتماد نظام الـ« VAR Light» الذي لا يختلف عن نظام الـ«VAR» سوى في أمرين: عدد الكاميرات المطلوبة، وعدم الحاجة إلى مشغّل داخل غرفة الحكام، يكون جالساً إلى جانبهم ويقوم بإعادة الحالات وفقاً لطلبهم.
الـ« VAR Light» يحتاج إلى خمس كاميرات (واحدة في وسط الملعب، اثنتان للتسلل واحدة في كل نصف من الملعب، واثنتان خلف المرمى)، في حين أن النظام الآخر يحتاج إلى عدد كاميرات أكثر. كما أن في نظام الـ« VAR Light» يقوم الحكم المساعد في إعادة الحالات التي يطلبها الحكم الرئيسي داخل الغرفة وهو يسمى الـ«VAR». تجدر الإشارة هنا، إلى أنه يتم ربط تقنية فيديو الحكم المساعد بالنقل التلفزيوني الذي يبث المباراة عبر الكاميرات الخمس.
أُقيمت التجربة كاملة خلال مباراة العهد والراسينغ في الدوري لكن بطريقة «Offline» أي دون إشراك حكام المباراة أو التدخّل في قراراتهم


وهناك خطأ شائع، حيث يعتقد كثيرون أن عمليّة إعادة الحالات تكون من الحكم الرئيسي على أرض الملعب، في حين أن بروتوكول نظام فيديو الحكم المساعد ينص على أن أي عودة للحكم الرئيسي للفيديو تكون بطلب من الحكام في غرفة الـ«VAR». فعلى سبيل المثال إذا احتسب الحكم ركلة جزاء، أو تم تسجيل هدف، أو إشهار البطاقة الحمراء، يقوم الحكم في غرفة الـ«VAR» بمراجعة الحالة. وفي حال كان رأيه يتوافق مع قرار الحكم الرئيسي على أرض الملعب، لا يطلب منه العودة إلى الفيديو. أما إذا كان رأي حكم الـ«VAR» مغايراً لقرار الحكم الرئيسي فحينها لا يقول حكم الـ«VAR» للحكم الرئيسي أن قرارك خاطئ، بل يطلبه منه الذهاب إلى شاشة عرض الحالة. وهنا يكون القرار الوحيد هو للحكم الرئيسي على أرض الملعب، بحيث إما يبقى على قراره أو يتراجع عنه من دون أي تدخل من حكم الـ«VAR» في أي وقت من اللقاء.

ثلاث مجموعات جاهزة
المهم أن التجربة أقيمت في لقاء العهد والراسينغ وكان الجميع من مسؤولين في الاتحاد ولجنة الحكام وحتى الحكام أنفسهم ينتظرون نتيجة هذه التجربة.
النتيجة كانت أن التجربة ناجحة جداً والنظام الذي قدّمته الشركة سهل وعمليٌ حيث شارك في التجربة خمسة حكام (أربعة دوليين بين رئيسيين ومساعدين وواحد اتحادي) وجرى إعادة العديد من الحالات التي طالب فيها الفريقين وتتوافق مع بروتوكول الـ«VAR» (لا تتم إعادة كل حالات أي مباراة لكن فقط حالات محددة تتعلق بالأهداف المسجلة أو احتساب ركلات الجزاء أو حالات الطرد).

(حسن بحسون)

نجاح التجربة نتج عنه عقد اجتماع في اليوم التالي للقاء بين الاتحاد اللبناني ممثلاً بالرئيس هاشم حيدر ورئيس لجنة الحكام محمود الربعة، إضافة إلى فريق الـ«VAR» العامل مع ممثلين عن الشركة في مقر الاتحاد، حيث جرى تقديم شرح مفصّل حول المعدات بعد أن كان رئيس الاتحاد قد زار الملعب وأشرف على التجربة، وحتى قام باستخدام الأجهزة، كما تم استعراض تكاليف المشروع والأمور اللوجستية. فالاتحاد في صدد شراء ثلاث مجموعات كل مجموعة تتضمن المعدات الكاملة للـ«VAR»، وسيتم وضع كل مجموعة في شاحنة مخصصة (VAN) مجهزة بجميع المعدات المطلوبة وفقاً لبروتوكول الـ«VAR» الموضوع من الـ«فيفا». وعليه، في حال كانت مباريات الأسبوع مقسمة على ثلاثة أيام بمعدل مباراتين في كل يوم يتم استخدام مجموعتين وتبقى الثالثة احتياطية، أما في حال إقامة ثلاث مباريات في اليوم فيتم استخدام المجموعات الثلاث كلّها.
الاجتماع بين الاتحاد والشركة كان مثمراً حيث تم تقديم العرض مع جميع المستلزمات، وأصبح القرار للجنة التنفيذية للاتحاد التي من المفترض أن تناقش الموضوع وتتخذ القرار المناسب.
انتهت التجربة لكن، مسار تطبيق النظام طويل وهو بدأ قبل أشهر وسيمتد لبضعة أشهر مقبلة قبل أن يوضع حيّز التنفيذ.
قفزة نوعية لكرة القدم اللبنانية ستتحقق في حال تم تطبيق الـ«VAR»، فالتجربة الأولى تركت انطباعاً بأن هذا النظام سيكون نقطة تحوّل في كرة القدم اللبنانية على الصعيد التحكيمي، ولعل خلاصة الحكام الذين شاركوا في التجربة تعطي فكرة عمّا سيكون واقع المباريات تحكيمياً في حال اعتمد الـ«VAR»، فهم أجمعوا على أن مشكلات التحكيم التي تحصل في المباريات المحلية ستُحلّ بنسبة 90% وهذا أمرٌ يساعد في تطوير كرة القدم اللبنانية.


دورات تدريبية للحكام

(حسن بحسون)

مخطئ من يظنّ أن تطبيق نظام الـ«VAR» يمكن أن يحدث بـ«كبسة زر» أو بمجرد اتخاذ القرار من الاتحاد المعني وشراء المعدات. فالاتحاد الدولي لكرة القدم يتشدد كثيراً في منح الرخصة للاتحادات المحلية لتطبيق نظام الـ«VAR» حيث وضع بروتوكولاً طويلاً يرى الـ«فيفا» أن مدة تحقيقه يصل إلى ثمانية أشهر. الجزء الأكبر من هذا البروتوكول يتعلّق بالحكام الذين يخضعون لدورات وتدريبات عديدة قبل منحهم رخصة حكام «VAR». تدريبات تنقسم إلى ثلاث مستويات، تبدأ بالمحاضرات النظرية، ومن ثم تطبيق النظام بطريقة الـ«Offline» وهذه تنقسم إلى أربع مراحل: 2a, 2b, 2c, 2d. يليها مرحلة التطبيق على مباريات غير رسمية وبدورها تنقسم على ثلاث مراحل: 3a, 3b, 3c، إضافة إلى حضور مندوبين عن «فيفا» لاختبار النظام قبل منح الرخصة.
وعلى صعيد الاتحاد اللبناني فهناك توجّه لتدريب 30 حكماً بين رئيسي ومساعد كي يصبحوا حكام «VAR» قادرين على قيادة المباريات داخل لبنان وخارجه. فاعتماد الـ«VAR» هو مستقبل كرة القدم وبالتالي فإن أي اتحاد لا يعتمد هذه التقنية سيكون حكّامه خارج الحسابات في المستقبل القريب.