تختلف أعمار اعتزال لاعبي كرة القدم باختلاف مراكزهم، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى مثل مستوى اللياقة البدنية ومدى الشغف. في المعدّل، كان اللاعب يصل إلى ذروته في أواخر العشرينيات من عمره، ليبدأ مستواه في الانحدار خلال الثلاثينيات، حتى يعلّق حذاءه بعمر الـ35 غالباً في دوريات بعيدة عن الضوء. الأمر بمثابة اتفاقية غير معلن عنها في عالم كرة القدم، يُستثنى منها بعض المدافعين وحرّاس المرمى. وبلغة الأرقام، كان السن المثالي للفوز بكأس العالم، على سبيل المثال، هو 27.5، باحتساب متوسط عمر الفرق الفائزة بين عامي 1930و2010.تواترت السنوات وتغيّر العُرف، حتى أصبح شائعاً استمرار لاعب ما في قمة مستواه وضمن أكبر الدوريات في العالم لعمر يتجاوز الـ35.
كان كريستيانو رونالدو (38 عاماً) في قمة مستواه في خلال الموسم الماضي في الدوري الإنكليزي الممتاز، الذي يعد بنظر الكثير من النقّاد أفضل دوري كرة قدم في العالم، وأسرع دوري أيضاً. يضم الـ«بريمييرليغ» الكثير من اللاعبين الذين اقتربوا من سن الأربعين أيضاً من دون تراجع مستواهم كثيراً، أمثال مدافع تشيلسي، البرازيلي تياغو سيلفا (38 عاماً)، لاعب إيفرتون الإنكليزي أشلي يونغ (38)، متوسط ميدان برايتون الإنكليزي جايمس ميلنر (38 عاماً)...
وفي الدوري الإسباني، يبرز كل من لوكا مودريتش وخيسوس نافاس بعمر يلامس الـ38، بينما كان زلاتان إبراهيموفيتش يتألق في الدوري الإيطالي برفقة إي سي ميلان بعمر الأربعين حتى الموسم الماضي، من دون إغفال كوكبة من النجوم التي تزيّن الدوريين الألماني والفرنسي في سن متقدمة...
الكثير من الأسباب جعلت هؤلاء اللاعبين قادرين على الاستمرار في أعلى مستوى، أبرزها الاستفادة من تقدم العلوم مع اعتماد أنماط حياة ملائمة. تحسنت العمليات الجراحية في العصر الحديث وبرز العلاج الطبيعي، لتصبح بعض الإصابات قابلة للعلاج بعد أن كانت في السابق تنهي مسيرة الرياضيين.
كثرت مراكز العناية الشخصية وبرز خبراء التغذية واللياقة إضافةً إلى المعالجين النفسيين المختصين


وعلى الصعيد الشخصي، زاد اهتمام اللاعبين بالحفاظ على لياقة مرتفعة أملاً بتحصيل أجور عالية جداً لأطول فترة ممكنة. من هذا المنطلق، كثرت مراكز العناية الشخصية وبرز خبراء التغذية واللياقة إضافةً إلى المعالجين النفسيين المختصين في الحقل الرياضي، وذلك لتحفيز اللاعبين على البقاء ضمن فرق النخبة لمدة أطول. يظهر ذلك جلياً في نمط حياة كريستيانو رونالدو مثلاً، الذي يمتلك أحدث تقنيات العناية بالجسد في منزله من أدوات تمرين ومعدات للعلاج بالتبريد، وهو نوع من التقنيات التي كان من المحتمل تصنيفها «خيالاً علمياً» في سبعينيات القرن الماضي.
عقلية اللاعب نفسها تؤدي دوراً بارزاً في زيادة متوسط عمر الاعتزال. رونالدو الذي اشتهر بنبذ المشروب الغازي «Coca-Cola» ودعوته لشرب الماء خلال أحد المؤتمرات الصحافية يمثل رمزاً للانضباط الذاتي والتفاني، حاله كحال أغلب الرياضيين الطامحين لتمديد مسيرتهم من خلال الالتزام بجدول صارم يشمل النظام الغذائي والروتين اليومي المُتعلّقين باللياقة والصحة كما نظام النوم.
الموهبة وحدها لا تكفي. خير دليل على ذلك انحدار مستوى أمثال مارادونا ورونالدينيو وجورج بيست في أواخر العشرينيات على خلفية الأسلوب غير الصحي الذي اعتمدوه من سهرٍ ورفاهية، مضحّين تباعاً بسنوات ذهبية من مسيرتهم.
هكذا، تؤدي عقلية اللاعبين وتطور سبل العلاج دوراً بارزاً في تمديد متوسط مسيرة الاحتراف، وهو اتجاه من المرجح أن يزداد في المستقبل. يبقى الأمر مرتبطاً بمدى الانضباط سعياً لإثبات أن العمر مجرد رقم.