لا يمكن فهم أو تحليل كيف يفكّر بعض المسؤولين في الدولة في قضايا لها بعدٌ وطني وتتعلّق بصورة لبنان في المحافل الخارجية. يستعد منتخب لبنان لكرة القدم للمشاركة في بطولة كأس آسيا في كانون الثاني من العام المقبل في قطر. هي البطولة القارية الأهم، وتُعتبر بالنسبة إلى دول آسيا ومنها لبنان ثاني أهم بطولة بعد كأس العالم.نجح لبنان في أن يكون واحداً من 24 بلداً ستتنافس على اللقب القاري الأهم. جميع الدول المشاركة من دون استثناء تضع كل إمكاناتها خلف منتخباتها للظهور بأفضل صورة، كلٌّ بحسب إمكاناته، لكن الجميع بكامل طاقاتهم... إلا لبنان. هنا الدولة المفلسة والتي ينخرها فساد مسؤوليها ومحاصصتهم لا ينتظر كثيرون من اللبنانيين منها أن تقدم لأبنائها ما يستحقونه في أي استحقاق خارجي يشاركون فيه. تجد الدول الأخرى تجنّد كل إمكاناتها المادية وغير المادية لدعم منتخباتها. من المفهوم أن الدولة المفلسة ومجلس وزرائها وماليتها غير قادرين على دعم منتخبات لبنان، سواء في كرة السلة أو كرة القدم، لكنّ من غير المفهوم أمرين: الأول لماذا لا يقوم مجلس الوزراء على الأقل بتقديم دعم إداري أو معنوي عبر إصدار قرار بسيط بإعادة جنسية للاعب هو حاجة ماسّة لمنتخب لبنان لكرة القدم؟ الأمر الثاني لماذا سياسة الكيل بمكيالين على صعيد لعبتَي كرة القدم وكرة السلة؟
يخوض منتخب لبنان لكرة السلة غداً أولى مبارياته في بطولة كأس العالم. بدأ منتخب لبنان استعداداته قبل فترة. طالب اتحاد كرة السلة بتجنيس اللاعب الأميركي أومري سبيلمان كي يكون مع منتخب لبنان في الاستحقاق الكبير.
وافق مجلس الوزراء على منح الجنسية للاعب لا يمت إلى لبنان بصلة، انطلاقاً من حاجة المنتخب اللبناني لكرة السلة إليه. ما قام به مجلس الوزراء على هذا الصعيد صحيح مئة في المئة في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يمكن لأحد أن ينتقد مثل هكذا قرار طالما أن فيه مصلحة وطنية. لكن من غير المفهوم كيف يمكن لمجلس الوزراء أن يرفض طلب استرداد جنسية (ليس تجنيس لاعب لم يسمع بلبنان إلا أخيراً) للاعب متحدّر من أصول لبنانية. هو ليس طلباً شخصياً لمصلحة شخصية. هو طلب من الاتحاد اللبناني لكرة القدم عبر وزارة الشباب والرياضة لإعادة الجنسية للاعب يحمل أصولاً لبنانية يحتاج إليه منتخب لبنان في استحقاق قاري.
الفكرة كيف يمكن لوزراء أن يقبلوا بمنح جنسية للاعب في لعبة ما ومنعها عن لاعب في لعبة أخرى؟
غلّب بعض الوزراء مصالحهم الشخصية والطائفية على المصلحة الوطنية


ماذا حصل يوم الخميس الماضي؟
قدّم وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة طلباً: استعادة الجنسية لشخص من أصول لبنانية يعيش في البيرو اسمه ألكسندر سكر.
سبب الطلب: حاجة منتخب لبنان لكرة القدم إليه في كأس آسيا لكرة القدم.
الجواب: مرفوض!
بذل الوزير مولوي جهداً كبير منذ وصول كتاب الاتحاد اللبناني لكرة القدم إليه والذي يتضمن طلب استعادة جنسية ألكسندر سكّر. تعاطى الوزير مع الملف من منطلق المصلحة الوطنية وأهمية اللاعب للمنتخب الذي سيمثّل لبنان في كأس آسيا.
لا يمكن لأي عاقل أن يفهم مثل هذا القرار بحق فرد استوفى كل الشروط اللازمة لاستعادة جنسيته التي هي حقٌّ له مثله مثل الوزير أو الوزراء «اللبنانيين» الذين قرّروا «بدم بارد» حرمانه من حقه أولاً، وحرمان جمهور بأكمله لأكبر لعبة شعبية أن يرى لاعباً من وزن سكر مع المنتخب اللبناني وهو الذي يلعب في مركز الهجوم الذي هو أكثر مركز يحتاج فيه المنتخب اللبناني إلى لاعبين.

منتخب لبنان بأمسّ الحاجة للاعب من نوعية سكر ومركزه (الأخبار)

لكن ما هو سبب رفض القرار؟
بكل بساطة لأن بعض الوزراء ـ المحسوبين على جهة معينة ـ رأوا أن هذا الملف يُعتبر واحداً من 560 ملفاً قدّموه لإعادة الجنسية لأصحابها. لم يجد هؤلاء الوزراء ومن خلفهم المجلس أن هذا الطلب خاص ولا يتعلّق بقضية شخصية بل بقضية وطنية. لم يرَ هؤلاء أن مصلحة بلد هي أعلى من أي مصلحة شخصية أو طائفية أو حزبية. هذا ما قاله وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلّاس خلال الجلسة بأن هذا الموضوع هو خارج الحسابات السياسية والتوازنات الطائفية. هو موضوع يتعلّق بمصلحة بلد ومنتخب يمثّل هذا البلد.
لكن وكما يقول البعض: «قد كنت أسمعت لو ناديت حيّاً لكن لا «خجل» ولا «إحساس» لمن تنادي».
كل ما استطاع أن يصل إليه الوزير كلّاس أن يمنع صدور قرار برفض الطلب، واستبداله بـ«تجميد» على أمل أن تتم مناقشته في جلسات مقبلة.
هكذا بكل بساطة تم تعليق القرار ووُجد منتخب لبنان والمسؤولون عنه أمام حائط مسدود. فالقيّمون على المنتخب من اتحاد ومسؤولين يعملون جاهدين بحثاً عن لاعبين من أصول لبنانية يستوفون شروط الاتحادين الدولي والآسيوي الصعبة للسماح لهم باللعب مع المنتخب، وفي الوقت عينه يأتي وزير انطلاقاً من حسابات ضيّقة ليضيع جهود أشهر وأسابيع «بشخطة قلم».
هو بلد العجائب وليس من جديد سوى مسمار جديد في نعش بلد تمّ القضاء عليه من مختلف الجهات.