حقق المنتخب الألماني لكرة السلة لقب كأس العالم بفوزه بنتيجة (83 - 77) على منتخب صربيا القوي، بعد مباراة رائعة على ملعب «مول أوف ايزيا» في العاصمة الفيليبينية مانيلا، قدّم فيها الفريقان أداءً يليق بنهائي البطولة العالمية. إنجاز نوعي عاد على ألمانيا بلقبها الأول في المونديال السلّوي ومن مشاركتها الأولى تاريخياً في النهائي، لتصبح البلد السابع الذي يحرز اللقب العالمي. من جهتها، احتلت كندا المركز الثالث بعد فوزها على أميركا (127 ـ 118) في مباراة غاية في الإثارة والندية، لم تنتهِ إلا بعد وقت إضافي.هذه النسخة من بطولة العالم أكّدت تفوّق كرة السلّة الأوروبيّة على نظيرتها في أميركا، بعد فوز صربيا على كندا (95 ـ 86) وألمانيا على أميركا (113 ـ 111) في نصف النهائي، ليكون النهائي أوروبيّاً خالصاً.صربيا التي تُعدّ كرة الماء اللعبة الأولى فيها، فيما الثانية هي كرة القدم والثالثة كرة السلة، تمكنت من إسقاط كندا التي كانت المرشحة الأولى للتتويج بالمونديال السلّوي. وفي آخر ثلاث بطولات عالم، وصلت صربيا للمرة الثانية إلى النهائي بعدما خسرت عام 2014 أمام الولايات المتحدة.
من جهة ألمانيا، فهي تسعى للقبها الأول مع جيل ذهبي، بعدما كان المركز الثالث الذي حققه جيل ديرك نوفيتسكي عام 2002 في إنديانابوليس الأميركية، أفضل إنجاز تاريخي في المونديال السلّوي. هذا الأمر يؤكد تفوّق المدرسة التكتيكيّة الأوروبيّة على المدرسة الأميركية التي تميل الى الاستعراض والكرة السريعة أكثر.
صحيح أن المنتخب الأميركي لم يأت إلى النهائيات المونديالية بلاعبي الصف الأول كليبرون جيمس وستيفن كوري وكيفين دورانت وجيمس هاردن وغيرهم... ولكن يُحسب للمنتخبات الأوروبيّة الانضباط التكتيكي، والالتزام الدفاعي الكبير، الأمر الذي أعطاهم التفوّق على الأميركيين. والمعروف أنه في كرة السلة الأميركية، لا يتم الاعتماد غالباً على دفاع المنطقة، لكي يكون هناك مجال للعب المفتوح أكثر وإعطاء جماليّة للعبة، بينما تلعب أوروبا بخطط دفاعية وهجومية صارمة، الأمر الذي أدى الى تطور اللاعبين بشكل أفضل على مرّ السنوات. واليوم، بات اللاعب الأوروبي رقماً صعباً في الدوري الأميركي للمحترفين، كما هي حال لوكا دونتشيتش ويانيس أنتيتكونمبو ونيكولا يوكيتش الغائب عن منتخب صربيا في كأس العالم وغيرهم الكثير...
لم يعد المنتخب الذي يملك أكبر عدد من اللاعبين في الدوري الأميركي لكرة السلة هو المرشح للفوز


وبالعودة الى النتائج، يمكن أن يرى المتابع بوضوح كيف تفوقت منتخبات أوروبا على نظيراتها في الأميركيّتين (الجنوبية والشمالية). فخلال مشوارها في البطولة، خسرت أميركا من ليتواتنيا (104 ـ 110) ثم من ألمانيا في نصف النهائي. من جهتها، فازت كندا بصعوبة كبيرة على إسبانيا (88 ـ 85) وخسرت من البرازيل (69 ـ 65) قبل أن تعود وتخسر من صربيا. واللافت أن المنتخب الكندي هو ثالث أكثر منتخب في كأس العالم بعد أستراليا وأميركا يضم لاعبين من الدوري الأميركي للمحترفين NBA، ولم يحقق ما كان يتمنى برفع أول كأس عالمية في تاريخه.
وباقي منتخبات القارتين الأميركيتين لم تكن أفضل حالاً، فخسرت البرازيل من إسبانيا (96 ـ 78) ومن لاتفيا التي لعبت أول مونديال لها (104 ـ 84). بدورها، خسرت فنزويلا من سلوفينيا (100 ـ 85) ومن الرأس الأخضر (81 ـ 75) ومن جورجيا (70 ـ 59) واليابان (86 ـ 77) وأخيراً من فنلندا (70 ـ 75). وفي طريقها الى النهائي، تجاوزت صربيا أيضاً بورتوريكو القوية جداً (94 ـ 77) والدومينيكان (112 ـ 79).
وإذا ما عدنا بالتاريخ الى الوراء، فإن النجاح الأوروبي لم يأت من فراغ، فنجاح صربيا له أسس متينة. فصربيا هي جزء من يوغوسلافيا سابقاً التي أُعلن تفكيكها الى عدّة دول عام 2003، فولدت البوسنة والهرسك، وكرواتيا، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا وسلوفينيا.
ويوغوسلافيا حققت البطولة العالمية 5 مرات أعوام (1970 ـ 1978 ـ 1990 ـ 1998 ـ 2002)، مثلها مثل أميركا، فيما كان نصيب الاتحاد السوفياتي ثلاث بطولات، والبرازيل وإسبانيا بطولتين لكل بلد، ولقب وحيد للأرجنتين. هذا التاريخ المميز في الرياضة، يؤكد أن التأسيس قوي، والمدارس في أوروبا الشرقية على مستوى مختلف الرياضات هي من الأفضل في العالم إذا لم تكن أفضلها.
تفوّق أوروبي يبدو أنه سيستمر في المستقبل، الأمر الذي دفع نجم كرة السلة الأميركية السابق كارميلو أنتوني، المتوّج بثلاث ذهبيات أولمبية، الى دقّ ناقوس الخطر. وقال أنتوني يوم السبت الفائت خلال حضوره نهائيات المونديال في الفيليبين: «يتعيّن على الجميع التفكير بمقاربة مختلفة لإحراز اللقب. اللاعبون الآخرون أفضل، اللعبة أصبحت عالمية أكثر، الجميع بمقدوره التتويج بلقب كأس العالم».
إذاً، هي مرحلة جديدة في كرة السلة ستدفع منتخبات أميركا إلى التفكير مليّاً بضرورة حصد البطولات، ولذلك أعلن ليبرون جيمس مشاركته مع المنتخب الأميركي في أولمبياد باريس 2024، والأكيد أن لاعبين من الصف الأول سيتبعونه لتحقيق اللقب، وإعادة تحسين صورة أميركا، كما حصل في أولمبياد بكين 2008، بعد خسارة لقب أولمبي عام 2004 وعالمي عام 2006.



تفاوت في الجوائز
تختلف جوائز بطولة كأس العالم لكرة السلة عن جوائز مونديال كرة القدم.
ففي مونديال قطر الأخير لكرة القدم، حصل المنتخب الأرجنتيني المتوّج باللقب على 42 مليون دولار مقابل 30 مليون دولار لفرنسا الثانية، بينما لا تتجاوز جائزة المنتخب الفائز بمونديال السلة الـ 2.5 مليون دولار.
في مونديال الصين السلوي 2019، كانت قيمة الجوائز كلها 15 مليون دولار، بينها 2.5 مليون للفائز و1.5 مليون للوصيف، و1.2 لأصحاب المركزَين الثالث والرابع. أما أصحاب المراكز من 5 إلى 8 فيحصلون على 800 ألف دولار، و550 ألف دولار من المركز الـ 9 الى الـ 16، و200 ألف دولار من 17 الى 32. والأكيد أن جوائز البطولة الحالية لن تكون أفضل بكثير، ما يجعل مونديال كرة القدم أفضل بكثير للمنتخبات المشاركة من مونديال كرة السلة، والأكيد يؤثّر الأمر على التسويق واللعبة بشكل عام.